أولمبياد لوس أنجلس 1984... أميركا والتنظيم الخاص
في استاد ميموريال كوليزيوم، كان "أولمبياد أميركا" التسمية المنطقية التي يجب أن تطلق على دورة لوس أنجلس التي افتتحت في 28 يوليو واختتمت في 12 أغسطس 1984.
"أولمبياد اميركا" هو التسمية المنطقية التي يجب ان نطلقها على دورة لوس انجلس التي افتتحت في 28 يوليو واختتمت في 12 أغسطس 1984 في استاد ميموريال كوليزيوم.فقد طغى الطابع الاميركي على كل شيء حتى على النتائج الفنية، فلولا بعض الميداليات القليلة التي ذهبت الى بعض الدول الاخرى، لكانت الولايات المتحدة حصدت كل شيء، إذ لم يكن يظهر على منصات التتويج إلا الأبطال الاميركيين رغم ان عددا من أولئك الأبطال لم يكن على مستوى يؤهلهم لقطف الميداليات.ولم يكن "الغياب الشرقي" وحده السبب في هذه السيطرة الاميركية على الألعاب، بل كانت هناك أسباب خفية، لم تلبث ان تظهر بوضوح، تتمثل في التحيز الفاضح من قبل الحكام والقضاة في مصلحة الاميركيين، بل ان المنظمين أنفسهم عملوا في هذا الاتجاه وهيأوا الفرص المناسبة لأبطال بلدهم!
ففي الملاكمة مثلا، نال معظم الأبطال الاميركيين ميداليات ذهبية، رغم ان المجريات الفنية لا تؤهلهم لذلك. وبعدما تكررت "الانتصارات المزيفة"، وقعت حادثة مضادة كان بطلها حكم يوغوسلافي أعطى الفوز لملاكم نيوزيلندي ضد اميركي، علما ان الأخير كاد ان يكون الوحيد بين الاميركيين الذين يستحقون الفوز عن جدارة.وكانت ردة الفعل عنيفة، إذ قدم الاتحاد الاميركي للملاكمة شكوى إلى الاتحاد الدولي يتهم فيها الحكم بتخسيره ملاكمه عمدا.وفي نهائي فردي الجمباز للسيدات، كان تفوق الرومانية ايكاترينا زابو واضحا منذ البداية، إلا أن الحكام منحوا الفوز للاميركية ماري لو ريتون المميزة جدا، لكنها لم تكن أفضل من منافستها الرومانية التي راحت تبكي ولم تكترث للميدالية الفضية.
ألاعيب أميركية
وسال حبر كثير حول الألاعيب الاميركية المتعلقة بالمنشطات، إذ استخدمت للمرة الأولى اجهزة تستطيع كشف رواسب المواد المنشطة في جسم الرياضيين حتى ولو كانوا تناولوها قبل ثمانية أشهر، إلا أن الذي لم يحصل هو معاقبة الاميركيين، إذ تمكنوا من اجتياز الفحوصات، وكشف الدكتور روبرت كير ان نحو 12 لاعبا متنشطا فازوا بميداليات بفضل حقن مضادة أعطيت لهم تمنع ظهور المواد الممنوعة خلال التحاليل.ودفعت شركة "أي بي سي" نحو 250 مليون دولار في مقابل حق نقل المباريات والمسابقات، وكانت المفاجأة بأنها لم تنقل إلا الألعاب التي يفوز فيها الاميركيون، وان البث تركز بل اقتصر على الأبطال الاميركيين. ولعل اغرب ما حصل في هذا المجال، هو ان نقل مباريات كرة القدم توقف منذ أن أقصى المنتخب المصري نظيره الاميركي!نظمت لوس انجلس الألعاب الاولمبية، وهي المدينة الوحيدة التي ترشحت لاحتضانها، وسبق لها ان نافست موسكو على دورة 1980.وردت "الكتلة الشرقية" بزعامة الاتحاد السوفياتي، وباستثناء رومانيا، التحية للمقاطعة الغربية، الاميركية تحديدا، لدورة موسكو، وجاءت الحجة المعلنة قبل أشهر من موعد الألعاب انه لا توجد حماية كافية للرياضيين. وجاء هذا الموقف في أصعب مراحل العلاقة الباردة بين الشرق والغرب، وفي بداية التحولات السوفياتية الداخلية منذ رحيل ليونيد بريجنيف، والفترة القصيرة التي "أمضاها الرجلان المريضان" تشيرننكو واندروبوف في سدة المسؤولية.مقاطعة الروس
وقاطع الاتحاد السوفياتي "الاولمبياد الـ23"، فحذت حذوه 13 دولة في مقدمتها ألمانيا الشرقية وبلغاريا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وكوبا وإثيوبيا... وبدأ العدد هزيلا قياسا بالمقاطعة الغربية قبل أربعة أعوام، لكن المحصلة الرياضية للواقع الجديد ان 58 في المئة من "قوة الميداليات" في دورتي 1976 و1980 غابت عن الساحة.شارك في دورة لوس انجلس 6829 رياضيا بينهم 1566 امرأة يمثلون 140 بلدا، وهو رقم قياسي من ناحية الدول، وتباروا في 221 مسابقة ضمن 22 لعبة هي: ألعاب القوى والتجذيف وكرة السلة والملاكمة والكانوي والدراجات والفروسية والمبارزة وكرة القدم والجمباز ورفع الأثقال وكرة اليد والهوكي على العشب والجودو والمصارعة والسباحة والخماسي الحديث والكرة الطائرة والرماية والقوس والسهم واليخوت، فضلا عن البيسبول التي أدرجت استعراضيا.وللمرة الأولى يدرج الماراثون للسيدات، وتعتمد المسابقة السباعية بدلا من الخماسية ضمن مسابقات ألعاب القوى، والجمباز الإيقاعي والسباحة التوافقية، وسباق الدراجات على الطريق للسيدات، ويسمح لمحترفي كرة القدم الذين لم يسبق لهم أن شاركوا في كأس العالم، بخوض الاولمبياد.وللمرة الأولى تغيب المساهمة الحكومية المباشرة عن تمويل الاستضافة والتنظيم، لألعاب تابعها 7.5 ملايين نسمة/ إذ كانا على عاتق القطاع الخاص.كارل لويس وعد فأوفى بأربع ذهبيات
استعرض الاميركي كارل لويس موهبته "حتى الثمالة" في الكوليزيوم واستحق ميدالياته الذهبيات الاربع في دورة لوس انجلس.واستعاد الجميع ذكريات جيسي اوينز (برلين 1936)، اذ حصد لويس مثله 4 ذهبيات في سباقات 100م و200م والتتابع 4 مرات 100م والوثب الطويل، وكانت بداية مسلسل جمعه الميداليات الاولمبية التي بلغت 9 ذهبيات حتى دورة اتلانتا 1996.الفصل الاول من الاستعراض حققه لويس في سباق 100م. ولا تزال ماثلة في الاذهان صورة بول تراكور الذي كان جالسا في الصف الثاني من القسم 27 في المدرجات وبجانبه ابنه (12 عاما). فما ان اجتاز لويس خط النهاية مسجلا 9.99 ثوان متقدما على مواطنه سام غرادي (10.19ث) والكندي بن جونسون (10.22ث)، حتى اخرج تراكور القادم من نيو اورليانز علما اميركيا حمله في حقيبة، وراح يلوح به. وشاهده لويس خلال جولة حول المضمار محييا المتفرجين، فعاد ادراجه واتجه نحوه، واخذ العلم من تراكور وراح يحتفل على طريقته والجميع يشاركه فرحته رقصا.كان لويس يوصف بـ"مايكل جاكسون العاب القوى"، ويعتبر صاحب اسلوب في سباق 100م قريبا من الكمال.ولما انتهى لويس من احتفاله توجه الى حيث يجلس جون كارلوس "الكبير" صاحب برونزية 200م في دورة مكسيكو عام 1968، فارتمى بين ذراعيه. وكارلوس هو احد ابطال "القبضات السود" في "مكسيكو 1968" مناهضة للتمييز العنصري في الولايات المتحدة. وحين شارك في الاولمبياد كان لويس في السابعة من عمره يقيم في نيوجيرسي وتابع سباق كارلوس و"حركته" عبر الشاشة الصغيرة، وحلم بان يخوض الالعاب الاولمبية يوما ويعتلي منصة التتويج.وأصدر لويس بعد ساعات من حصده ذهبية 100م بيانا، ذكر فيه انه حقق 60 في المئة من برنامجه باعتبار هذا السباق "اصعب مسافة والمفاجآت واردة دائما". واوضح "انه كان متأثرا جدا عند الفوز"، مضيفا "انا أؤمن بقدراتي، وطريقة ادائي في الامتار الاخيرة تخولني النجاح. لما بلغت 80م ادركت ان الانتصار في متناولي لكني بقيت حذرا".