حال الطقس شديد الحرارة في الكويت تذكرك دائماً بحالة الذوبان والتلاشي، فإذا وضعت قطعة ثلج تجاوزت درجة التجمد وكانت في الحالة المادية الصلبة، في مكان مكشوف بالكويت حالياً، فإنها ستذوب وتتلاشى خلال دقائق، وكذلك إذا ثُبت كوب من الماء في المكان نفسه فسيتبخر الماء كذلك ويتلاشى، ونحن في الكويت أحوالنا قريبة جداً من طقسنا، فكل شيء عندنا قابل للذوبان والتلاشي.قبل أيام سقط سقف مواقف متعددة الأدوار لكلية تابعة لهيئة التعليم التطبيقي والتدريب تم تسلُّم مبناها الجديد من المقاول أخيراً، طبعاً الموضوع كبر ككرة الثلج المتدحرجة، ولكنه في النهاية سيذوب من "لاهوب النفوذ"، كما ذابت عشرات ملفات الفساد الكبرى في تاريخ الكويت وتلاشت، مثلما تبخرت ملفات قضايا محطة مشرف واستاد جابر وبيوت مدينة جابر الأحمد وحصى الشوارع ومدرج المطار... إلخ.
المختصون والرأي العام ضجا وعجزا وهما يصيحان بالمطالبة بقانون مناقصات عامة جديد يكون صارماً في عقوباته، ويعود مردود المناقصات الضخم إلى غالبية المواطنين عبر سوق الكويت للأوراق المالية (البورصة)، حتى لا يكون فيها 300 ألف حساب فقط معظمها خامل وغير نشط، بينما في سوق أبوظبي المالي هناك مليون حساب نشيط يستفيد منها أبناء الإمارات باستثمارات ناتجة عن إنفاق الدولة على مشاريعها، في حين عندنا أربع أو بضع شركات عائلية تستحوذ على 30 ملياراً من المناقصات العامة، من دون أن تسدد للبلد ضريبة أو تنتفع بقية أبنائه منها بشيء.مطالب البلد بشأن قانون المناقصات أصبحت ككرة الثلج الكبيرة المتدحرجة، ولكنها عندما هبطت في قاعة عبدالله السالم ذوبها "لاهوب الحسابات الشخصية والنفوذ"، كما تذوب قطعة الثلج على "قار" شارع الخليج العربي. والمشكلة أن الحكومة والمجلس اعتبرا أن قانون المناقصات الجديد إنجاز تاريخي، ولكنه في أول اختبار له سقط بسقوط سقف مواقف كلية "التطبيقي"، ولم تكن فيه مواد تمنح الدولة تحركاً سريعاً ضد مقاول المشروع.وعلى الطريق نفسه تذوب بقية القضايا وتتلاشى، وهو ربما ما جعل السفيرة الأميركية ديبورا جونز تطلق تعليقها المشهور المتشائم عن مستقبل دولة الكويت.فمثلا قضية التأمينات الاجتماعية تذوب منذ أن تقدم السيد فهد الراشد ببلاغه في عام 2009 - هي قضية شأن عام تمس مئات الألوف من المواطنين- وفي معظم الدول الدستورية والقانونية تأخذ مساراً مختلفاً وسريعاً، ولكن ربما عدم تقديم كل الوثائق والأدلة يؤخر البت النهائي في القضية!وبالنهج نفسه ذابت قضايا الإيداعات وتلاشت، كما تتلاشى القوانين التي وضعت لمعالجتها مثل قانون كشف الذمة المالية ولائحته الداخلية.الحقيقة أننا نعيش في حياتنا الحالة الفيزيائية لطقسنا، فكل شيء عندنا مهما كبر، قابل للذوبان والتلاشي، وكل قراراتنا المتعلقة بالإصلاح ومحاربة الفساد تذوب وتصبح ماضياً بسبب حرارة صاحب النفوذ وأعوانه القادرين على تمييع كل ما يخالف شهواتهم ومصالحهم... لذا فإننا نعيش في حالة "الذوبان والتلاشي"!
أخر كلام
نحن نذوب... وقضايانا تتلاشى!
28-07-2016