تعرف غالبية مقاهي محطة الرمل والمنشية، في مدينة الإسكندرية الساحلية، العم سالم، أو كما يطلق عليه، العاملون بالمقاهي وروادها {الأستاذ سالم الريجي- نسبة لعمله السابق ريجيسيراً} باعتباره أقدم من عمل في تلك المهنة بالمدينة الساحلية، ممن مازالوا على قيد الحياة، لا سيما أن غالبية تلك المقاهي بروادها الحقيقيين، ظهروا في أفلام سينمائية، صورت بالمدينة الساحلية، خلال السنوات الماضية، بفضل ترشيحات العم سالم لصناع تلك الأفلام.
أناقة ورقي
الأناقة الشديدة رغم سنوات العمر والرقي في التعامل، هما السمتان المميزتان للرجل، الذي يفخر بعمله في الحقل السينمائي، وذكريات زمن الفن الجميل، التي عاشها ولن تعود- حسب تعبيره- فينهل من رحيقها، كلما اشتد به الحنين لتلك السنوات، باسترجاع المشاهدات، عبر عشرات الصور الفوتوغرافية، التي يحتفظ بها دائماً في حقيبة يده، تجمعه بنجوم السينما المصرية الراحلين، خلف كواليس الأفلام التي صورت بالإسكندرية، ويرافقها عادة انهمار دموعه، والدعاء بالرحمة والمغفرة للراحلين.يقول سالم لـ {الجريدة}: بدأت العمل في السينما في بداية ستينيات القرن الماضي، وكان عمري وقتها لا يتجاوز 17 عاماً، حيث كنت وسيماً وأنيقاً، وعملت {كومبارساً} بكارت توصية، من الفنان الراحل حسن حامد، الذي كان بطلا ثانياً في غالبية الأفلام السينمائية خلال تلك الفترة، بأدوار الشر ورجل العصابات التي اشتهر بها، رغم طيبته الشديدة في الواقع، إلى مكتب الريجيسير السكندري الراحل، محمد القصبجي، بميدان المنشية، وكان القصبجي وقتها أحد أهم وأشهر {الريجسيرات} في مصر عموماً، كان انيقاً ويتحدث بلغات عدة ويحظى بمهابة وتقدير من الفنانين أنفسهم، وكانت غالبية الأفلام السينمائية، تصور مشاهد منها في الإسكندرية، وأحياناً كانت قصة بعض الأفلام تصور كلها بالمدينة الساحلية، إضافة إلى أن {القصبجي} وقتها كان بمثابة {كشاف} للفنانين السكندريين الذين أصبحوا نجوماً في ما بعد، من بينهم الفنانة الراحلة مديحة كامل، وحيد سيف، الكوميديان الراحل، مظهر أبو النجا وغيرهم من الفنانين الذين أصبحوا نجوما في مجال الفن السابع}.ذكريات جميلة
يتابع: {في الماضي حتى الكومبارس أو المجاميع بلغة السينما، كانوا موهوبين، وكانت تجرى لهم اختبارات، عكس ما يحدث الآن، لذلك خرج من بينهم فنانون صاروا نجوماً في ما بعد. أول فيلم عملت فيه كان {النصف الآخر} بطولة الفنان الراحل رشدي أباظة، الذي لم أرَ في حياتي من هو أفضل منه، في التعامل مع العمال البسطاء في كواليس الأفلام، وكان يتناول الطعام معهم، ويساعدهم مادياً في الخفاء، وكان الجميع يحبه إلى حد العشق، بسبب ذوقه وأخلاقه الراقية وكرمه الشديد. يؤكد: {كان {برنس} وابن باشوات وغاية في التواضع}، وكنت أحصل منه على 10 جنيهات كل أسبوع مع تقاضيه عربون أي فيلم يصوره في الإسكندرية، وكان يعشق الجلوس في مقاهي محطة الرمل والمنشية، والقيادة بسرعة جنونية بطريق الكورنيش، واكتشفت بعد رحيله أنه كان يساعد عمالاً كثيرين في الوسط الفني، بمبالغ شهرية، خصوصاً أولئك الذين كان لديهم أطفال في المدارس}.يضيف: {الفنان الراحل توفيق الدقن، كان من أطيب خلق الله، عكس أدواره في السينما، وكان يعشق تربية القطط وأطعامها، كذلك الفنانة الكبيرة المعتزلة شادية، كان قلبها حنوناً على العمال في الأستديو، وكريمة معهم إلى أبعد حد}.عمل سالم عيسى ضمن مجاميع الكومبارس في فيلم {أبي فوق الشجرة} للعندليب الراحل، عبد الحليم حافظ، ونادية لطفي وميرفت أمين، وأجمل ذكريات عمره، قضاها في كواليس هذا الفيلم، الذي استغرق تصوير مشاهده بالإسكندرية، نحو شهرين ونصف الشهر، بينها 3 أسابيع في تصوير أغنية {دقوا الشماسي} وحدها، {كان طبيب عبدالحليم حافظ - رحمه الله - الخاص يرافقه أثناء التصوير، لإعطائه حقناً طبية لتحمل الآلام التي كان يعانيها، وكان {حليم} بسيطاً، وفي منتهى التواضع وخفة الظل في تعامله مع الجميع، كذلك الفنانة نادية لطفي}.عمل سالم ممثلا في دور ثانوي، في فيلم {ميرامار} للفنانة الكبيرة شادية ويوسف وهبي وعماد حمدي، يقول: {تم تصويره في {بنسيون} لا يزال موجودا حتى الآن في محطة الرمل، واستغرق التصوير قرابة ثلاثة أشهر، وهي مدة يصور خلالها الآن ما يقرب من 3 أفلام، بمعايير السينما التجارية الحالية}.صفعة يوسف شاهين
ذكريات العمل مع المخرج الراحل يوسف شاهين، تحظى بمكانة خاصة لدى العم سالم، ترافقها دموع ودعاء بالرحمة لـ {شاهين} الذي بدأت معرفته به، عام 1967 أثناء تصوير فيلم {الناس والنيل} وشهد تعرض سالم، لصفعة قوية من {شاهين} أثناء أدائه أحد المشاهد وتلعثمه في الكلام، فظن {شاهين} أنه يسخر منه، بعدها توسط مدير التصوير الراحل وحيد فريد للصلح بينهما، بعدما أكد لشاهين، أن سالم يعاني لعثمة في الكلام، بعدها عمل معه كمساعد إنتاج في الأفلام التي صورها في الإسكندرية.يقول سالم: {العمل مع يوسف شاهين ممتع، رغم الإرهاق الشديد الذي يرافقه، وفي عام 1979 أثناء إعداده لتصوير فيلم {إسكندرية ليه}، رافقته مدة شهر، لمعاينة أماكن التصوير، التي رشحتها لمساعده، وكذلك باقي ثلاثية سيرته الذاتية، وكان شاهين، يبدأ التصوير في السادسة صباحا، وكان يكلفني بإيقاظ الفنانين والعاملين بالفيلم، في الثالثة صباحاً، وأن يكونوا في مكان التصوير، قبل ساعة على الأقل، ولا يسمح لأحد من الصحافيين، بالدخول إلى البلاتوه نهائياً}.يضيف: {وعن طريقه عرفت مساعده وقتها المخرج خالد يوسف، الذي يناديني دائماً عم سالم، وأحظى لديه بمكانة خاصة بسبب معرفتي السابقة بمعلمه الراحل يوسف شاهين، كذلك عملت في فيلمه الأخير {كف القمر}، الذي صوره بمنطقة المكس بالإسكندرية، منذ سنوات، وكلفني باختيار أماكن التصوير وقتها}.