مع تخطيط بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، بدأ السياسيون في البحث عن طرق تضمن احتفاظ البلد بهيمنته كمركز عالمي لرأس المال. وتمثلت واحدة من الأفكار، التي أطلقت في هذا الشأن في تحويل المملكة المتحدة بعد "البريكست" إلى ملاذ ضريبي.

وفي الأيام العاصفة، التي أعقبت استفتاء 23 يونيو الماضي، الذي اختار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، دعت الحكومة البريطانية السابقة برئاسة ديفيد كاميرون إلى خفض معدلات الضرائب على أكبر الشركات من 20 إلى 15 في المئة.

Ad

ولم تؤيد رئيسة الوزراء الجديدة تيريزا ماي ذلك الاقتراح منذ توليها المنصب في 13 يوليو، لكن مع دعوة البعض من أعضاء البرلمان البريطاني المؤيدين لخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي إلى الغاء ضريبة الشركات بصورة تامة، يتوقع العديد من الاقتصاديين إعادة النظر في تلك الفكرة، وعلى الأقل مثل ورقة مساومة من أجل كسب المزيد من الشروط الملائمة من الاتحاد الأوروبي.

احتمالات مثيرة للقلق

بالنسبة إلى وزراء المال في شتى أنحاء أوروبا، تعتبر المنافسة الضرائبية احتمالاً مثيراً للقلق. وقد وافق القادة الأوروبيون في الآونة الأخيرة على خطة تهدف إلى تقليص ثغرات الضرائب التي تكلف نحو مئة مليار دولار في السنة على شكل عوائد ضائعة.

وقد أجاز الاتحاد الأوروبي لأيرلندا ولوكسمبورغ وهولندا – وهي الدول التي تسمح قوانين الضرائب فيها للشركات متعددة الجنسيات مثل "ستاربكس" و"آبل" و"مايكروسوفت" بتحويل الأرباح –تفادي الضرائب. وثمة قلق من أن المزيد من التعاون ضمن الاتحاد الأوروبي قد يغري بريطانيا على عرض مزيد من الإعفاءات الضريبية ومعدلات أدنى مما يجعل بقية دول أوروبا أقل تنافسية.

قد يبدو من المذل بالنسبة إلى المملكة المتحدة أن تتطلع إلى نوع من التكتيكات، التي تعتمد على الإعفاء الضريبي على النحو الدارج في جزر كايمان أو برمودا.

لكن الدليل على الفوائد المحتملة موجود إذ يكفي أن ينظر البريطانيون إلى أيرلندا حيث يبلغ أعلى معدل للضريبة على أكبر الشركات الآن 12.5 في المئة، وكانت أيرلندا قد استخدمت حسومات ضرائب لإغراء الشركات منذ سبعينيات القرن الماضي.

وأفضت تلك الاستراتيجية إلى انعاش الاقتصاد وبناء قطاع أدوية وتقنية. وقد اندمجت الشركات الأميركية متعددة الجنسيات مثل مدترونك Medtronic مع شركات أيرلندية، في ما يدعى "التعاكس"، الذي ينقل المقرات الرسمية لشركة أميركية، والبعض من الأصول، إلى الخارج.

اختلاف الأوضاع

ويحذر الاقتصاديون من أن صيغة أيرلندا قد لا تنجح بالنسبة إلى بريطانيا. وفي مذكرة سربت إلى وكالة "رويترز"، بعد وقت قصير من تصويت "البريكست" كتب باسكال سانت –أمانز، وهو كبير مسؤولي الضرائب في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يقول، إن التخفيضات الحادة في الضرائب قد تكون في العادة فعالة بالنسبة إلى دول صغيرة ذات قطاعات أعمال غير متقدمة نسبياً، وفي تلك الدول يتم تعويض الخسارة في الضريبة بقدر أكبر من خلال استثمارات جديدة.

ويضيف أن هذا لا ينسحب على بريطانيا، التي يتوقع أن ترهق نتيجة التأثير السلبي على نموها بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي.

الصناعة التي قد يسهم خفض الضرائب فيها في المساعدة هي واحدة من أكثر الصناعات أهمية في المملكة المتحدة، وهي الخدمات المالية.

وعبر خروجها من الاتحاد الأوروبي سوف تكون بريطانيا حرة في تغيير بعض الضرائب، التي تؤثر على القطاع، لكن إذا اعتبر خفض الضرائب في بريطانيا غير منصف بالنسبة إلى دول أخرى قد يفرض الاتحاد الأوروبي سعراً عالياً، من خلال تقييد الوصول إلى أسواقه، بحسب دانييل غروس، وهو مدير مركز دراسات السياسة الأوروبية، الذي يقول إن " الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بعد البريكست، سوف تتمكن من القيام برد انتقامي والتمييز ضد أي محاولة من جانب المملكة المتحدة للتحول إلى ملاذ ضريبي ".

وفي ضوء هذه القيود، قد تتطور استراتيجية المملكة المتحدة من الضرائب إلى التنظيم، ويجادل ريتشارد ميرفي، وهو اقتصادي سياسي يدير مجموعة بحوث الضرائب في المملكة المتحدة في أن "المملكة المتحدة ليست في وضع يمكنها من استخدام الضرائب لإغراء الناس على إعادة التموضع. والتخفيضات السابقة أفضت بصورة لافتة إلى قلة من فرص العمل، لكن إذا خرجت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بصورة تامة، فإن السباق الحقيقي سوف يكون في تخفيف التنظيم وسوف يكون هناك جهد لإضعاف البيئة والعمل والأنظمة المالية".