تستطيع الشركات المالية في القارة الإفريقية التحدث عن طائفة واسعة من الابتكارات التي حققتها في الفترة الماضية، والتي تشمل " إم– بيسا " وهي خدمة جوال مالية رائدة في كينيا، والتأمين على الحياة بالنسبة الى مرضى الإيدز، وهي الخدمة التي طرحتها شركة أوول لايف All Life في جنوب إفريقيا، وغير ذلك الكثير.

وفي وسعنا أن نضيف الى ما سبق أول بنك على مواقع التواصل الاجتماعي – تشيس بنك كينيا وهو في المركز الحادي عشر على قائمة أكبر بنوك ذلك البلد (وليست له علاقة ببنك جي بي مورغان تشيس في الولايات المتحدة الأميركية) والذي استحوذت عليه الجهات التنظيمية في شهر أبريل الماضي في أعقاب أنباء تحدثت عن انهيار وشيك له، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تويتر وواتساب، وقد أفضى ذلك الى ذعر تسبب في حدوث عمليات سحب للأموال على نطاق واسع.

Ad

وقد أبرزت تلك التطورات الأخطار التي تواجه البنوك الموجودة في تلك المنطقة والتي يعتبرها العديد من المستثمرين واحدة من الحدود النهائية في الصناعة المالية، وبينما أفرزت البنوك في الكثير من الدول الغنية نسبة أرباح مخيبة للآمال منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 كانت البنوك الإفريقية حتى وقت قريب تعلن عن نمو كبير وعوائد مجزية للغاية، كما أن البنوك في غانا كانت تعمل على توسيع قروضها بوتيرة لافتة تماماً، وقد وصلت الى أكثر من 30 في المئة في السنة.

ولم تتخلف كثيراً عن هذه الوتيرة البنوك في موزامبيق وزامبيا ومالاوي، وكان العديد من تلك البنوك يحقق نسبة جيدة من الأرباح المالية أيضاً.

تقديرات «موديز»

وتشير تقديرات وكالة موديز للتصنيف الائتماني الى أن متوسط العوائد على الأسهم – وهو مؤشر قياسي للربح – قد تراوح بين 20 و25 في المئة في العديد من الدول الإفريقية، وهو ما جعل بنوك تلك الدول تحقق ما يصل الى أكثر من ضعف أرباح البنوك في الولايات المتحدة الأميركية وأكثر من 4 أو 5 أمثال أرباح المؤسسات المالية المتعثرة في القارة الأوروبية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد شهد العديد من أجزاء إفريقيا شبه الصحراوية تحول تلك الأرباح التي يسيل لها اللعاب الى خسائر نتيجة الهبوط الذي لحق بأسعار السلع وتباطؤ الاقتصاد في بعض الدول اضافة الى التنظيم الضعيف في البعض من الحالات.

وتبدو نيجيريا وهي تمثل أكبر اقتصاد في القارة الإفريقية عند حافة ثاني أزمة مصرفية خلال أقل من عقد من الزمن، وفي الرابع من يوليو الجاري قرر البنك المركزي الاستغناء عن ادارة سكاي بنك Skye Bank وهو ثامن أكبر بنك من حيث الأصول وسط مخاوف من فشله في الاحتفاظ بكميات كافية من الاحتياطيات المالية من أجل استيعاب الخسائر الناجمة عن ديونه المعدومة. وقد هبطت قيمة أسهمه بما يصل الى الربع منذ ذلك الوقت، كما تعرضت قيمة أسهم بنوك نيجيريا الاخرى الى هبوط أيضاً.

موقف البنك المركزي

ويصر البنك المركزي في ذلك البلد على "عدم وجود حاجة الى الهلع وسحب الأموال من أي بنك"، ولكن على الرغم من ذلك فإن وضع "سكاي بنك" يعيد الى الأذهان ما حدث في الأزمة المالية في سنة 2009 التي تسببت في انهيار العديد من البنوك الكبيرة في نيجيريا. وفي ذلك الوقت عمد البنك المركزي الى استبدال ثمانية من مديري المؤسسات المالية، كما أن الوكالة المدعومة من قبل الدولة والتي تدعى "أمكون" قد تأسست من أجل استيعاب الديون المعدومة.

وتتمثل القضية الشائكة اليوم في أسعار النفط، وخلال الأزمة المالية العالمية هبطت تلك الأسعار لفترة قصيرة فقط قبل أن تتعافى بشكل قوي، وعمدت بنوك نيجيريا بعد ذلك الى اقراض المليارات من الدولارات الى رجال الأعمال المحليين من أجل مساعدتهم على شراء آبار النفط والغاز. وقد بدت تلك القروض – التي وصلت الى حوالي 25 في المئة من اجمالي قروض البلاد – آمنة تماماً الى أن بدأت أسعار النفط في الهبوط منتصف عام 2014 وهي الآن عند أقل من المعدل الذي كانت عليه في ذلك الوقت، كما أن الاضطرابات في منطقة ضخ النفط في دلتا النيجر أسهمت في جعل الأوضاع أكثر سوءاً.

من جهة اخرى، أعلنت شركة الاستكشاف أفرون عن افلاسها في السنة الماضية وتعترف شركة أوندو وهي شركة محلية كبرى لإنتاج النفط بوجود "شكوك كبيرة" في امكانية تسديدها لقروضها، وبحسب كولا كريم من شركة شورلاين إنرجي وهي شركة انتاج نفطي اخرى "معدلات الفوائد في ارتفاع". وكانت هذه الشركة قررت التوقف عن العمل في أعقاب نسف عصابات لخط أنابيب للنفط في شهر فبراير الماضي، وحتى الشركات التي لا تعمل في القطاع النفطي قد تكافح من أجل خدمة ديونها بسبب متاعب الاقتصاد الأوسع ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش ذلك الاقتصاد بنسبة 1.8 في المئة في هذه السنة.

ويقول فيرست بنك، وهو ثاني أكبر بنوك نيجيريا من حيث الأصول، إن 18 في المئة من قروضه عديمة الأداء وقد يتعرض هذا البنك الى معاناة تفوق معظم البنوك الاخرى في البلاد، نظراً لأن أكثر من 40 في المئة من قروضه ذهبت الى الشركات التي تنتج النفط والغاز.

ومن جهة اخرى يقول البنك المركزي إن الديون المعدومة في النظام المصرفي في ذلك البلد قد تضاعفت بصورة اجمالية خلال الأشهر الستة الماضية لتصل الى 10 في المئة، في وقت يظن ايمانويل أسياك من شركة الأسهم الخاصة أفريكا كابيتال ألايانس أن الرقم يقع في خانة العشرات، بينما يقول روناك غاديا من اكسوتكس وهو بنك استثمار إن "العديد من الناس يقولون إن الوضع الراهن لا يشبه أزمة سنة 2009، والواقع أنه أكثر سوءاً نظراً لأنهم في ذلك الوقت لم يكونوا عرضة للانكشاف على النفط".

الضغوط على البنوك

وتتعرض البنوك أيضاً إلى ضغوط في أماكن اخرى في المنطقة، وهي في أغلب الأحيان ترجع الى أسباب مماثلة، وقد قفزت القروض العديمة الأداء في غانا الى أكثر من 16 في المئة من الاجمالي، بعد أن أرغم هبوط أسعار السلع والعملة البنك المركزي على رفع معدلات الفائدة، وقد رفعها بنسبة 5 نقاط مئوية لتصل الى 26 في المئة، وهو مستوى سوف يقاومه كل المقترضين بشكل تقريبي.

وتملك بنوك زمبابوي كميات كبيرة من سندات الحكومة التي قد لا يتم سدادها على الاطلاق، وقد تمكنت من تفادي عمليات سحب الأموال من البنوك عن طريق الحد من تلك العمليات.

وعلى أي حال، تواجه البنوك في كينيا مجموعة مختلفة من الضغوط، وقد أسهم ضعف التنظيم الذي ضاعفه انتشار البنوك الصغيرة في زيادة المشكلة، وقد وضعت ثلاثة بنوك تحت الحراسة القضائية في أقل من سنة من قبل باتريك نجورك وهو حاكم بنك كينيا المركزي بعد ظهور سلسلة من الفضائح المدمرة في عمليات الاقراض. ويقول السيد نجورك إن المدير الاداري في أحد البنوك اختلس 335 مليون دولار عن طريق شركات وهمية خلال 13 سنة، وقد تم كشف عملية السرقة كاملة بعد أيام قليلة من وفاته.

ويبدو أن السيد نجورك قد عقد العزم على القيام بعمليات تنظيف شاملة في النظام المصرفي في كينيا، أما في أماكن اخرى من القارة الإفريقية فلا تزال الجهات التنظيمية راغبة في تجاهل المشاكل والإشاحة ببصرها عنها، ثم إن ارغام البنوك على الإقرار بحدوث زيادة في الديون المعدومة، يمكن أن يفضي الى انهيار مؤلم، اضافة الى تقييد التمويل العام في حال قيام الحكومات بعمليات تدخل تهدف الى الإنقاذ، ولكن تجاهل ذلك الوضع قد يكون أكثر سوءاً في الأجل الطويل.

وبحسب الصورة الراهنة فإن الشركات في إفريقيا تكافح من أجل الحصول على كميات كافية من رأس المال من أجل تحقيق النمو، وعلى الرغم من النمو السريع في القروض فإن معظم الدول الإفريقية لا تزال تعاني من تغلغل منخفض في الأنشطة المصرفية، كما أن السماح للبنوك الفاشلة التي عانت ضعفاً شديداً بسبب الديون المعدومة ما جعلها عاجزة أيضاً عن تقديم أي ديون جديدة بالمضي في العمل من شأنه أن يفاقم النقص الحاد في الائتمان في القارة الإفريقية.