«الصحة» في الكويت «تمرِض»
الحديث عن مشاكل وزارة الصحة يثير في النفس الكثير من الشجون، فالكل يشتكي من خدماتها، المواطنون والمقيمون، بعد أن تفشت في هذا القطاع الحيوي عدة ظواهر سلبية ليس من المفترض أن تكون في دولة غنية كالكويت التي تتبرع بالملايين سنوياً لبناء مستشفيات ومراكز صحية في دول عديدة، في وقت لم يبن مستشفى واحد في البلاد منذ عقود ومازلنا ننتظر خروج مستشفى جابر، الذي أبرمت عقوده عام 2005، إلى النور، وكذلك مستشفيات الضمان الصحي للوافدين الذين يشكلون عبئاً كبيراً على الخدمات الصحية.ورغم الإمكانات الهائلة والموازنات الضخمة المخصصة للقطاع الصحي في البلاد، والتي وصلت إلى مليارين و800 مليون دينار، فإن الواقع الصحي في الكويت كما يقولون "يمرض" حيث يعاني كثير من المراجعين طوابير الانتظار وتأخر المواعيد في العيادات التخصصية وفحوصات الأشعة التي تمتد إلى أشهر، فضلاً عن تدخل الواسطة في العلاج وتحديد المواعيد وصرف الأدوية، مما دفع المرضى إلى اللجوء للمستشفيات الخاصة التي تستنزف جيوبهم، مروراً بنقص السعة السريرية في المستشفيات والعلاج الروتيني في المستوصفات والمراكز الطبية، حيث يخرج المريض ولا يعرف تشخيص حالته، إضافة إلى الأخطاء الطبية التي انتشرت في الآونة الأخيرة وأودت بحياة بعض المرضى انتهاء بالفساد المتفشي في المستشفيات التي تتولى الآن ملف العلاج بالخارج الذي تفوح منه روائح التنفيع والتلاعب وتمرير معاملات نواب الخدمات، حيث يتم ابتعاث حالات غير مستحقة بالإمكان علاجها في الكويت، بينما المرضى المستحقون يُعانون الأمرين في دوامة اللجان الطبية.
ومشاكل الصحة ليست غريبة أو جديدة على الحكومة التي أجرت بنفسها عدة دراسات أكدت أن القطاع الصحي يعاني ضعف التخطيط والإدارة والرقابة وغياب خطة شاملة واقعية لتطويره تأخذ في اعتبارها الموارد المالية الهائلة المتاحة والاحتياجات الطارئة والأولويات العلاجية المهمة في مختلف التخصصات وتوزيع المستشفيات على المناطق الجغرافية حيث تستحوذ منطقة الصباح الطبية على أكثر من 30 في المئة من حجم الخدمات الصحية في البلاد ولاسيما المستشفيات التخصصية مما خلق أزمة تراكم قوائم المراجعين وأثر على كفاءة الأداء، خصوصاً مع عدم وجود فروع للمستشفيات التخصصية في بقية المحافظات.واذا تحدثنا عن العنصر البشري فإن قطاع الصحة يعاني نقصاً كبيراً في الكوادر الطبية، ولاسيما الأطباء المتخصصين، حيث إن وجود فوارق كبيرة في الامتيازات المالية بين الأطباء الأجانب ونظرائهم الكويتيين يدفعهم إلى التوجه إلى دول الجوار التي تمنحهم مزايا مادية أعلى، وكذلك هروب الكثير من الأطباء الكويتيين من المستوصفات والمستشفيات الحكومية والتوجه إلى الخاص مخلفين وراءهم نقصاً في العمالة الوطنية كما أن نسبة كبيرة من الأطباء الذين يتم استقدامهم من الخارج غير مؤهلين وليسوا بالكفاءة المطلوبة، وإلا كانوا استمروا في بلادهم، فضلاً عن وجود أطباء مزيفين يتم تعيينهم بلا تدقيق على أوراقهم ومستندات توظيفهم، وهناك عدد لا بأس به منهم حاصل على شهادات طبية من جامعات مشكوك في أمرها، وبعضهم لا يحملون شهادات متخصصة كما حدث مع الطبيب الذي عمل حوالي 6 أشهر في المستشفى الأميري بقسم الطوارئ رغم أنه حاصل على شهادة الدبلوم من كلية الدراسات التجارية.ورغم أن هناك تطويراً في القطاعات الطبية الحكومية فإنه ينصب على الشكليات وتحديث المباني، بينما تذهب معظم الميزانية الضخمة المخصصة لوزارة الصحة إضافة إلى الملايين التي تضخ سنوياً من الضمان الصحي للوافدين إلى الرواتب والأجور والمزايا ومكافآت الأعمال الممتازة للقياديين وأصحاب المناصب الرفيعة، في حين يحرم الموظفون الإداريون والممرضون من الكوادر والبدلات رغم أنهم الأكثر استحقاقاً لتعاملهم المباشر مع المرضى وتعرضهم للعدوى.