على حسب آخر معلوماتي، فإن الكويت ما زالت دولة مستقلة يحكمها دستور ينص على حماية حرية الرأي والتعبير، هذا الدستور ليس نبتاً شيطانياً أو كشفاً عابراً في لحظة تجلٍّ صوفية، بل هو عصارة التجارب والخبرات والعلاقات بين الحاكم والمحكوم على مدى سنين طويلة، والتي بدورها أدت لتوافد الهجرات على هذه الأرض القاحلة، ومن ثم تم إفراغها في مدونة مكتوبة متفق عليها، هذا الدستور نفسه الذي ميز الكويت الصغيرة عن محيطها الإقليمي والعربي، لكن أن تأتي السلطة غير المؤمنة به أساساً وتسمح لنفسها، وبعذر خارجي هذه المرة، وبالتراضي -ولن أقول بالتواطؤ- مع بعض أعضاء مجلس الأمة، وتتنازل ضمنياً عن بعض الدستور؛ فلا أظنه أمراً مقبولاً أو مستساغاً في أفضل الأحوال. وللأسف ليس النواب، فحسب، من سكت عن الموضوع، أو دفع نحوه، بل الكثير من السياسيين والأفراد ممن يعانون صعوبات كبرى في التعلم، والذين أغلبهم يتفق مع السلطة بعدم إيمانه بالدستور أيضاً، أو أرجحهم عقلاً من لا يعنيهم منه إلا حرياتهم هم فقط، فكثير مِمّن يطالبون اليوم بمحاكمة وسجن عبدالحميد دشتي لرأي أبداه، وبغض النظر عن فحواه، هم نفسهم من "تقلقصوا" في فخ المطالبات بسحب الجنسية من بعض المواطنين الكويتيين، حتى التف الحبل حول أعناق رفاقهم وسحبت جناسيهم، فلم يُفعل بهم إلا ما أرادوا فعله بالآخرين، والجزاء من جنس العمل.اليوم سبت، ولا يهمني النائب عبدالحميد دشتي لا من قريب ولا بعيد، وبالتأكيد أنا لا أتفق معه في آرائه، بل وحتى شخصه قبل أن ينطق، ولا أقبل نهائياً ما يقول عبدالحميد دشتي أو غيره، لكن هذه هي الحالة شبه الديمقراطية التي ارتضيناها وعملنا بها حتى الآن، والرأي يرد عليه بالرأي والحجة والتفنيد وكل الوسائل القانونية التي ترتضيها الدول المعنية دفاعاً عن مصالحها وسياساتها، بعيداً عن التدخل القضائي المباشر في دولة الشخص صاحب الرأي، والذي لا أتصوره من الأعراف الدولية والدبلوماسية المعمول بها في الدول المتحضرة، فتخيلوا معي كيف سيكون شكل العالم لو كل دولة لاحقت مواطن دولة أخرى يهاجمها أو لم يعجبها رأيه، ومدى حجم هذه الملاحقات الدولية وخصوصاً في ظل قواعد المعاملة بالمثل!
أما بالنسبة لنا، فإن المواقف المعلنة من الجهات المختصة والعلاقات الدبلوماسية المتينة الجارية وفق الأطر والقنوات الرسمية يفترض ألا يؤثر بها رأي شخصي أو سياسي متكسب هنا أو هناك، وخصوصاً ونحن نعيش فورة تكنولوجية إعلامية لم ترحم أحداً من إدمان الشعور بالأهمية وشهوة إبداء الرأي بكل حدث محلي أو دولي، وفتح مثل هذا الباب لن ينغلق إلا بتدخل كل السفارات غداً بنزاعات وقضايا ضد أفراد عبّروا عن آرائهم، فتصبح الساحة المحلية ملعباً للسفارات وشراء الولاءات والسعي للتدخل الخارجي حتى في السلطة القضائية، فما الذي سيمنع مثلاً إيران أو تركيا أو الصومال، وحتى قطر قبلها، من تقديم شكاوى وملاحقة كل صاحب رأي لم يعجبهم، أو من باب أولى أميركا التي لم نملّ من حرق أعلامها، وقواعدُها العسكرية وسط صحارينا، فاليوم حميد وغداً وليد، وبعده أنت وأنا، وكأننا لم نخلص من قيودنا المحلية فزدناها ضيقاً بقيود الآخرين، وبالتالي فإن تقديم المجاملات الدبلوماسية والعلاقات الخارجية المفترض متانتها على الضمانات والحقوق الدستورية عواقبه بالتأكيد ستكون وخيمة، لذا فنحن نتوقع من الآخرين، وهم في سبيلهم للدفاع عن مصالحهم وسياساتهم لدينا وقبل أن يطالبوا الكويتيين بالسكوت في بلادهم، معرفة وفهم ومن ثم قبول واحترام الخصوصية الكويتية ومصالحنا المحلية المتمثلة في حريتنا بإبداء رأينا الشخصي والخاص اللامتوافق بالضرورة دائماً مع الموقف الرسمي المعلن، فحريتنا مصلحة عليا يتوجب عليكم مراعاتها أيضاً رعاكم الله.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أخر كلام
نقطة: الدستور أهم من حميد!
30-07-2016