تحية لمصر للطيران

Ad

كتبت هذا المقال وأنا في طريق عودتي من نيويورك إلى القاهرة على إحدى رحلات مصر للطيران، فأنا مسافر دائم على رحلاتها إلى مصر طوال العام، وأستمتع بالسفر على طائراتها طوال العام لدقة مواعيدها، وللاستقبال الجيد للركاب في المطار، فضلا عن الضيافة الممتازة التي يقدمها طاقم الضيافة للركاب، ولكن استوقفني في الرحلة إلى نيويورك والعودة منها أن "مصر للطيران" ذللت أمامي أكبر عقبة في هذه الرحلة، وهي الخوف من الملل والمعاناة بسبب طول المسافة، والشيخوخة ومرض القلب وهما ما لم أشعر بهما بسبب الضيافة الرائعة خلال هذه الرحلة التي جعلت ذهني يصفو لكتابة هذا المقال وأنا على متن الطائرة.

الرقابة القضائية على دستورية القوانين

في مقالين لي نشرا على هذه الصفحة في عددي "الجريدة" الصادرين بتاريخ 12 و19 من الشهر الماضي، أولهما تحت عنوان "لماذا تغيير هوية المحكمة الدستورية بعد تجربتها الناجحة"، والثاني تحت عنوان "عندما استخدم الأمير سلطته الدستورية في رفض تغيير هوية المحكمة الدستورية"، وكان المقالان في سياق ما كان يتم تداوله داخل أروقة مجلس الأمة وخارجه من رغبة في تعديل قانون المحكمة الدستورية، لتضم عناصر من خارج الجسم القضائي إلى تشكيلها القضائي، حيث قلت إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين تعتبر ضرورة حتمية، في ظل مبدأ الفصل بين السلطات، الذي تراقب في ظله كل سلطة السلطة الأخرى. وفقا للمقولة الفرنسية الشهيرة le pouvoir arete le pouvoir، لذلك فإنه يجب الإبقاء على هذا التشكيل القضائي الكامل ورفض هذا التعديل.

كما تناولت تفسير المادة 173 من الدستور في ضوء ما ورد من تعليق عليها في المذكرة التفسيرية للدستور ومدى الإلزام بهذا التعليق في ضوء التقريرات الأخرى للمذكرة، المماثلة لهذا التعليق، وعرضت لمشروع قانون أقره مجلس الأمة بجلسته المعقودة بتاريخ 22/ 3/ 1983 بتعديل المادة الثانية من قانون إنشاء المحكمة الدستورية لتؤلف المحكمة من سبعة أعضاء، يختار منهم مجلس القضاء بالاقتراع السري خمسة، تكون لأحدهم الرئاسة، ويعين مجلس الأمة عضوا واحدا، ويختار مجلس الوزراء عضوا آخر.

غير أن صاحب السمو الأمير رد مشروع القانون سالف الذكر إلى المجلس لإعادة النظر فيه إعمالا لسلطته المنصوص عليها في المادة 66 من الدستور.

وعرضت للأسباب التي استند إليها مرسوم الرد، ولطلب التفسير الذي تقدمت به الحكومة حول مشروع القانون سالف الذكر ومدى دستوريته والأسباب التي بني عليها هذا الطلب، الأمر الذي اضطر معه مجلس الأمة إلى سحب مشروع القانون مقابل سحب الحكومة طلب التفسير.

الرقابة السياسية لدستورية القوانين

والواقع أن الدستور لم يغفل الرقابة السياسية على دستورية القوانين، فيما يمارسه كل من مجلس الأمة ولجنة الشؤون التشريعية والقانونية من هذه الرقابة قبل إقرار مشروع القانون، وفيما تمارسه إدارة الفتوى والتشريع الملحقة بمجلس الوزراء من رقابة على مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومة، وما يمارسه صاحب السمو الأمير رئيس الدولة من رقابه لاحقة على إقرار المجلس مشروع القانون عند التصديق عليه وإصداره.

فالرقابة القضائية على دستورية القوانين هي أحد جناحي الشرعية الدستورية للقوانين، وهي رقابة سابقة على العمل بها، أما الرقابة السياسية التي تمارسها السلطتان التشريعية والتنفيذية على القوانين فهي الجناح الآخر لهذه الشرعية، وهي رقابة لاحقة على العمل بها.

فالرقابة القضائية على دستورية القوانين تحلق بجناحها في آفاق الشرعية الدستورية مثلما تحلق الرقابة السياسية بجناحها في هذه الآفاق.

ونستعرض فيما يلي الرقابة السياسية السابقة على إقرار القوانين قبل إقرارها وقبل إصدارها:

أ- اختصاص مجلس الأمة بالرقابة السابقة:

وهو ما تناولناه في مقالنا المنشور على هذه الصفحة بتاريخ 3/ 7/ 2016، تحت عنوان "رقابة مجلس الأمة لدستورية القوانين".

ب- اختصاص لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بالمجلس:

كما تمارس هذه اللجنة الرقابة على دستورية الاقتراحات بقوانين المقدمة من الأعضاء عندما تحال إليها، إعمالاً للمادة (97) من الدستور، مثلما تمارس إدارة الفتوى والتشريع دورها في التحقق من دستورية مشروعات القوانين التي تحيلها إليها الحكومة لمراجعتها وصياغتها.

واللجنة في سياق اختصاصها إبداء الرأي في فكرة الاقتراحات بقوانين المقدمة من الأعضاء تبحث مدى توافق المشروع مع أحكام الدستور، باعتبارها مسألة أولية تفصل فيها اللجنة قبل وضع مشروع القانون في صيغته النهائية.

ومن المعلوم أن اللجنة لها دور أعم وأشمل من دور أي لجنة أخرى في المجلس، فقد عهدت إليها المادة 43 من اللائحة الداخلية بالجانب القانوني أعمال كل الجهات العامة وأعمال المجلس، وزادت على ذلك بأن نصت في عجزها على اختصاصها بكل الأمور التي لا تدخل في اختصاص لجنة أخرى في المجلس.

وقد صدر قرار من المجلس بتاريخ 3/ 8/ 1999 بإحالة رسالة من أحد الأعضاء إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لاستطلاع رأيها في المقصود بكلمة "يعين" الواردة في المادة 121 من الدستور.

ج- إدارة الفتوى والتشريع:

كما تمارس إدارة الفتوى والتشريع دورها في إبداء الرأي الدستوري، في مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومة، قبل تقديمها إلى مجلس الأمة.

حق التصديق والإصدار لرئيس الدولة

وهو حق مقرر لصاحب السمو الأمير بموجب المادة (65) من الدستور، يراقب من خلال تصديقه على مشروعات القوانين التي أقرها مجلس الأمة بصفته رئيسا للسلطة التشريعية بموجب المادة (50) من الدستور، مدى توافق مشروع القانون مع أحكام الدستور، ويصدره إذا كان متوافقا مع أحكام الدستور، بأن يأمر السلطة التنفيذية بصفته رئيسا لها، بنشره في الجريدة الرسمية والعمل على تنفيذه.

ويذهب البعض إلى القول بأن تصديق رئيس الدولة على مشروع القانون الذي يقره المجلس التشريعي وإصداره هما شهادة من رئيس الدولة بأنه صدر في الحدود التي وضعها الدستور.

وبموجب أحكام المادة 66 من الدستور يحق للأمير، وبموجب أحكام هذه المادة، الاعتراض على الاقتراحات بقوانين التي أقرها مجلس الأمة خلال ثلاثين يوما من إبلاغ سموه بمشروع القانون الذي أقره المجلس، أو يرده إلى المجلس خلال هذا الميعاد لإعادة النظر فيه، ويدخل في أسباب الاعتراض ما يشوب المشروع من شبهة مخالفة نص من نصوص الدستور.

ولئن كان اعتراض الأمير اعتراضا توقيفيا، إذ يملك مجلس الأمة بأغلبية خاصة الموافقة على الاقتراح مرة ثانية، فيصدق عليه الأمير ويصدره خلال ثلاثين يوما من إبلاغه بقرار المجلس، إعمالا للمادة (66) من الدستور.

لذلك فإن البادي مما تقدم أن إدخال العناصر السياسية على التشكيل القضائي الحالي للمحكمة لا ضرورة له، طالما أن هذه العناصر تملك من القنوات الدستورية ما يساعدها على بسط رقابتها على دستورية القوانين قبل إقرارها أو بعد ذلك وقبل إصدارها، سواء كانت هذه العناصر من مجلس الأمة أو من الحكومة.