صيف 1990
مرَّ ربع قرن على ذلك الصيف الكئيب الذي شكَّل علامة فارقة في التاريخ العربي، وسيشكل علامة أكبر في الجغرافيا القادمة للشرق الأوسط بشكل عام. وعام 2003، الذي شهد سقوط صدام حسين، هو نتيجة حتمية لأحداث ذلك الصيف، وليس بداية للأحداث، والتغير الذي طرأ على المجتمع الكويتي، وهو ما يعنينا في هذا المقال، كان انعكاسه واضحا على الأدب الكويتي والسرد بشكل خاص. أحداث ذلك الصيف تم التعامل معها أول الأمر بما يشبه التسجيل اليومي لأحداث الأشهر السبعة التي شهدت الاحتلال والتغير الفكري في الذهنية الكويتية، وصراع المثقف بين الإبقاء على إيمانه بعروبته التي مزقها الموقف السياسي الذي شهد ما يسمى بدول الـ "مع" ودول "الضد"، وبين الارتداد عن الفكرة ونبذ الأدبيات التي صاحبت حرب الخليج الأولى، أو على الأقل محاولة أرشفتها وعدم التطرق لها.
وكان النتاج الأدبي القادم يحمل شكلا جديدا في الطرح، ويحاكي بالدرجة الأولى معاناة الإنسان الكويتي تحت الاحتلال، وهو عمل لا يخلو من الانفعال والخضوع لردة الفعل المنطقية لسرد أحداث ساخنة وجراحات حية. لا يمكن لنا مناقشة التغير في الوضع الثقافي في الكويت بعد ربع قرن دون أن نفهم أهم تطور طرأ على الأوضاع الاجتماعية، والذي شهد خروج ما يقارب نصف المجتمع في حينه، وهو الذي ساهم بشكل كبير خلال العقود الثلاثة السابقة لذلك الصيف في إثراء الحياة التعليمية والأكاديمية والثقافية في الكويت. لقد ترك خروج الفلسطيني من المعادلة فراغا كبيرا علينا أن نعترف به، وأن نعترف بالانهيار المفاجئ للنظام التعليمي بشكل خاص، وهو النظام الرافد للحركة الأدبية. ولنعترف أيضا بأن دور المثقف الفلسطيني كان أقرب إلى دور المثقف العربي المقيم في الكويت، وهو لم يساهم بشكل واضح في طرح قضايا مجتمعية عن البيئة التي يعيش فيها، رواية أو شعرا، وكرَّس اهتمامه الرئيس بقضيته الأولى، ولكن دوره النقدي كان مهما جدا في إثراء الحركة النقدية في المؤسسة الثقافية، سواء التعليمية أو الصحافية. الجانب المهم أيضا في الحركة الكويتية، هو اشتغال مجموعة من المثقفين البدون على طرح قضيتهم عبر معاناتهم الخاصة، إضافة للمساهمة الكويتية في طرحها، رغم اختلاف الرؤى، وهو أمر لا يمكن تفاديه في حالات كهذه. لكن القضية لم تكن تشكل محورا أساسيا في السرد الكويتي قبل صيف ذلك العام. ما عاناه مثقفو الفئة من صعوبات سياسية واجتماعية أدت إلى خروج مجاميع كبيرة من الوطن ومضايقة الذين بقوا سيخلق جيلا قادما نستطيع تلمس أثره اليوم، ونتوقع له شأنا مهما في حركة السرد. ورغم كل ذلك التغير الثقافي والمجتمعي الذي طرأ على المجتمع الكويتي أستطيع أن أعتبر ما قدمته الحركة الثقافية مفاجأة حقيقية. فبعد عشرة أعوام من ذلك الصيف شهدت الشخصية الثقافية الكويتية تطورا كبيرا ساهم في دعمها الجيل الأقدم الذي احتضن الشباب، وآمن بقدراتهم، ليتطور السرد، وتنتعش حركة الكتاب، وتزداد بشكل ملحوظ نوادي القراءة. وكان الشباب أكثر وعيا وهم يفيدون من حركة التأليف العربي والعالمي والسعي خلف محاولات التجديد في الشكل والمضمون السردي. هذه التغيرات التي أثرت في السرد الكويتي على مستوى المضمون لم تقابلها حركة نقد اجتماعي لدراسة هذه التغيرات ومناقشة أثرها، لا على الصعيد الاجتماعي ولا الصعيد الأدبي.