إبراهيم سربيه و«مدرسة بيروت» للرسم
إرث وطني مهدد بالزوال
رفع مجموعة من المثقفين في لبنان الصوت عالياً مطالبين وزارة الثقافة بالعمل بخطى حثيثة لإنشاء متحف وطني دائم للفنون الجميلة (على غرار متحف اللوفر بفرنسا)، لعرض الكنوز الفنيّة الوطنيّة الثّمينة، لا سيما أن بعضها بات بحكم المفقود، رغم أهميّته، على غرار أعمال الرسام اللبناني ابراهيم سربيه وأعضاء «مدرسة بيروت» الذين أثروا المشهد التشكيلي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فترة تزيد على خمسين عاماً، وساهموا في تأسيس النهضة الفنية العربية. وقد دشن أخيراً موقع إلكتروني للتعريف بهم وبرواد الفن التشكيلي اللبناني.
في منطقة عين المريسة في بيروت المترامية بدلال على شاطئ البحر المتوسط، ولد ابراهيم سربيه (1865- 1931)، المعروف في ما بعد بمؤسس «مدرسة بيروت» أو «المدرسة البحرية»، ودرس الرسم في الأكاديمية العثمانية للفنون الجميلة...خرّجت «مدرسة بيروت» التي أسسها سربيه في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، اشهر الرسامين الذين قامت على أكتافهم الحركة التشكيلية في لبنان، وتميزت رسوماتهم بالحث على الوطنية والتعلق بالأرض، واستمرت على هذا النهج حوالى خمسن سنة إلى أن انتشرت تيارات جديدة في الرسم، بعد الحرب العالمية الأولى، عرفت بالفنون الحديثة...برزت في أعمال المنضوين في «مدرسة بيروت» المنمنمات نظراً إلى تأثرهم بالفنين العثماني والفارسي، وبالمستشرقين الوافدين من دول أوروبا الذين ركزوا على رسم المناظر الطبيعية.
للأسف فقدت معظم لوحات رسّامي «مدرسة بيروت»، بسبب الرطوبة والحرارة المرتفعة في بيروت، فضلا عن الإهمال وجهل طرق صيانتها وعدم إدراك قيمتها. وقد تميّز هؤلاء بإحساس مرهف وبدقة لامتناهية، مانحين بعداً واقعياً للرسم وتخطي الصورة الفوتوغرافية، مع ألوان مستوحاة من الطبيعة ومن ثنائية النور والظلمة.
واقعية وجمالية
بعلبك، مدينة الشمس، بعظمتها وأسرارها، أسرت ابراهيم سربيه فواكب أعمال إعادة تأهيل القلعة، بعد زيارة الأمبراطور الإلماني غليوم الثاني إلى لبنان، حليف الأمبراطوريّة العثمانيّة، ورسم زيتيته الضخمة بعلبك (1896)، من ثم رسم لوحة استقبال الإمبراطور غليوم الثاني في مرفأ بيروت (1898)، الذي أبدى دهشته لدى مشاهدته عظمة هياكل بعلبك، وأرسل بعثة من علماء الآثار لإزالة الردميّات والرّمال التي كادت تطمر البنيان. عام 1893، رسم أحد طلاب «مدرسة بيروت»، من آل دمشقية، مدرّعة إنكليزيّة غرقت على مقربة من طرابلس بسبب غلطة في القيادة، وهي الوحيدة في العالم التي غرقت عموديّاً على عمق 145 متراً، بينما مراوحها على عمق 77 متراً (الأوريان – لوجور 10-12-2009). فلقّبت بـ «قمّة أفرست الحطام»، إلا أن اللوحة لا تزال مفقودة.أمّا سليم حداد، أحد ابرز أعضاء «مدرسة بيروت»، فرسم في مصر بورتريه لشخصيّات سياسيّة وفنيّة وثقافيّة من بينها: إبراهيم باشا نجيب (سياسي)، بشارة وسليم تقلا (مؤسّسا جريدة الأهرام)، يعقوب صرّوف (كاتب)...إرث يتآكل
للأسف لم يبقَ من إرث إبراهيم سربيه، سوى قلة من لوحاته، لا تزيد على الست، فإضافة إلى لوحتي بعلبك واستقبال غليوم الثاني في مرفأ بيروت، رسم سربيه أربع نسخ من اللوحة الأخيرة، مع تعديلات في الرسم والقياسات. اثنان منها موجودتان في مجموعات خاصة والثالثة في مكاتب شركة مرفأ بيروت، بعدما كانت في الأصل ضمن مجموعة هنري فرعون في قصره في القنطاري في بيروت، وهو احد أبرز جامعي التحف واللوحات، وأحد أبرز رعاة الفن، وقد قدّمها إلى إدارة مرفأ بيروت خلال ترؤسه مجلس إدارته.أمّا اللوحة السادسة فهي زيتية تتضمن منظراً للواجهة البحريّة لرأس بيروت، وقد علقت قرناً بكامله في فندق «الشرق» في رأس بيروت الذي أصبح فندق «بسّول» في ما بعد، كما يؤكد ميشال فاني في «قاموس الرسم اللبناني»، وهي موجودة حاليّاً في مجموعة خاصّة. 160 عاماً من الصّور
في معرض نظرة على بيروت – 160 عاماً من الصّور 1800 - 1960 الذي نظمه متحف سرسق في بيروت في مطلع 2016، عرضت إحدى لوحات استقبال غليوم الثاني في مرفأ بيروت ولوحة الواجهة البحرية في رأس بيروت. اللافت أن اللوحات المتبقية من «مدرسة بيروت»، أعاد ترميمها فضّول خلّوف، أحد المرمّمين الرسميّين للمتاحف الفرنسيّة ومرمّم متحف سرسق في لبنان.