عدم استدامة نمو الاقتصاد الكويتي بات واضحاً
مكائنه تدور بسبب وقود مخزون أو متراكم من حقبة رواج سوق النفط
رأى تقرير «الشال» أن الإصلاح الحقيقي يعني أولاً ضرورة الحفاظ على ذلك المخزون ثابتاً، في حين هو يتآكل حالياً، ويعتمد ثانياً على البدء في عمل ضخم هدفه الإضافة إلى المخزون لضمان استدامة نمو الاقتصاد، وهذا أو ذاك لا يحدث حالياً.
قال تقرير "الشال" الأسبوعي، إنه بعد نحو سبعة أشهر على نهاية عام 2015، نشرت الإدارة المركزية للإحصاء، تقديرات أولية لأرقام الناتج المحلي الإجمالي الاسمي عن عام 2015، وبعد أسبوع واحد من نشر هذا التقرير، سوف تنشر الجهات الرسمية للإحصاء في الصين -حجم اقتصادها نحو 11 تريليون دولار أميركي- الأرقام للنمو الحقيقي للاقتصاد الصيني عن الربع الثاني من عام 2016. وبحسب "الشال"، تقدر الإدارة المركزية للإحصاء تحقيق الناتج المحلي الإجمالي نمواً اسمياً سالباً بنحو -25.9 في المئة، وبلغ حجمه نحو 34.3 مليار دينار –نحو 114 مليار دولار- هبوطاً من مستوى 46.3 مليار دينار لعام 2014. وفي التفاصيل، انعكس ذلك الانخفاض الاسمي الكبير على انخفاض أعلى قليلاً لنصيب الفرد منه الذي بلغ عن عام 2015 نحو 8095 ديناراً فاقداً نحو -28.4 في المئة من مستوى عام 2014 البالغ 11311 ديناراً، والتفاوت في الانخفاض يعود إلى زيادة عدد السكان.
وأضاف "الشال" أن التغير الرئيسي، الذي أثر على إسهام مكونات الناتج المحلي الرئيسي كان في جانب الصادرات من السلع والخدمات، وغالبيتها الساحقة نفطية، فحصيلة الصادرات هبطت بنحو -41 في المئة من قيمتها، أو من نحو 31.7 مليار دينار عام 2014، إلى نحو 18.660 مليار دينار عام 2015، وكانت قد فقدت أيضاً نحو -9.4 في المئة في عام 2014 مقارنة مع عام 2013. واستمرت واردات السلع والخدمات رغم ذلك بالارتفاع بنحو 6.4 في المئة في عام 2015 بمقارنة بمستواها لعام 2014، وبلغ مستواها نحو 15.532 مليار دينار بعد أن كان نحو 14.594 مليار دينار عام 2014 ونحو 13.210 مليار دينار عام 2013. والاستهلاك النهائي، الحكومي والخاص، زاد أيضاً في السنتين، وهو ما يفسر استمرار واردات السلع والخدمات بالارتفاع، لذلك تبقى هيمنة الاستهلاك العام والخاص على مكونات الناتج المحلي الإجمالي ليست ظاهرة صحية أسوة بالولايات المتحدة ولاحقاً للصين، لأن الاقتصاد المحلي يعتمد في كل احتياجاته من السلع والخدمات على الاستيراد ولا يصنعها.ومكونات الناتج المحلي الإجمالي، هي كشف تحليل وصور أشعة لحالة الاقتصاد، وبعد تدهور أسعار النفط لأقل من سنتين، بات واضحاً كم هو غير مستدام نمو الاقتصاد الكويتي، وأن مكائنه تدور بسبب وقود مخزون أو متراكم من حقبة رواج سوق النفط. والإصلاح الحقيقي يعني أولاً ضرورة الحفاظ على ذلك المخزون ثابت، بينما هو يتآكل حالياً، ويعتمد ثانياً على البدء بعمل ضخم هدفه الإضافة إلى المخزون حتى تضمن استدامة نمو الاقتصاد، ولا هذا أو ذاك يحدث حالياً.والتنمية مشروع جاد جداً، خرائطه أو أساساته هي سلامة ودقة وحداثة الأرقام التي يعتمد عليها في التشخيص حتى تكون علاجاتها ناجحة، والأرقام الاسمية غير الدقيقة والمتأخرة المنشورة حول الناتج المحلي الإجمالي بعد نحو 7 أشهر من نهاية العام، لا توحي بأن الإدارة العامة تأخذ التنمية على محمل الجد، رغم الخطورة البالغة لتداعيات سوق النفط.
الإدارة العامة تحتاج إلى الشجاعة للاعتراف بعدم جدوى جهود إصلاحاتها حتى اللحظة
المخاطر لا تحتمل المراهنة على تأجيل الإصلاح حتى انتخابات يوليو 2017
أفاد تقرير "الشال" بأن صندوق النقد الدولي استمر في تقرير يوليو الجاري، في نهجه بخفض النمو المتوقع للاقتصاد العالمي، فبعد خفض لمعدلات النمو بنحو -0.2 و -0.1 في المئة في تقرير أبريل الفائت مقارنة بتنبؤات تقرير يناير 2016، طال مزيد من الخفض تقرير يوليو مقارنة بتنبؤات تقرير أبريل، وإن بشكل طفيف أو -0.1 في المئة لكل من عامي 2016 و 2017. وكان من الممكن، وفقاً للتقرير، أن تعدل توقعات تقرير يوليو إلى الأعلى بسبب تحسن أسعار النفط وتحسن أداء الاقتصادين الأوروبي والياباني، وحتى بعض الاقتصادات الناشئة مثل روسيا، ولكن، استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو الفائت بنتائجه غير المتوقعة، وارتفاع المخاطر وحالة عدم اليقين، هبطت موجة التفاؤل.وفي تفاصيل تقرير "الشال"، وعلى الرغم من ذلك، فإن صندوق النقد الدولي يبقى الأكثر تفاؤلاً مقارنة بالبنك الدولي وبعض المؤسسات البحثية الخاصة، فمازالت توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي بحدود 3.1 في المئة لعام 2016 وبحدود 3.4 في المئة لعام 2017، بينما تقديرات يوليو لوحدة المعلومات لمجلة "إيكونومست" هي 2.2 في المئة و2.4 في المئة للعامين على التوالي.وحتى صندوق النقد الدولي، يذكر في تقريره أن تلك التوقعات هي للسيناريو الأساسي، أما إذا تحققت مخاطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهناك سيناريو سلبي وآخر حاد، وإن كانا أقل فرصة للتحقق، لكنهما سوف يهبطان بمعدلات النمو العالمي المتوقعة للعامين إلى دون الـ 3 في المئة. أخطر الاحتمالات، هي اختلاف بريطانيا والاتحاد الأوروبي على مبادئ التخارج الآمن والسريع، وربما النزوع إلى الحمائية بما سوف يزيد التداعيات السلبية على مستوى العالم. ونعود "أي الشال" إلى خلاصة ما ذكرناه في تقارير سابقة لنا حول موضوع نمو الاقتصاد العالمي، فالخلاف بين كل المهتمين بتوقعاته، لم يعد حول هشاشة وضعف النمو المتوقع، حيث أصبح ذلك محل اتفاق عام، وإنما بات الخلاف حول مدى هذا الضعف والهشاشة. والاهتمام يفترض أن يتركز على النصح الذي باتت تتلقاه اقتصادات النفط، بمناسبة ومن دونها، وأن سيناريو النمو المحتمل لم يعد قادراً على انتشالها من مشكلات اقتصاداتها الهيكلية، وأن إجراءات الإصلاح لديها لا تعدو كونها نظرية في أحسن الأحوال، وتجميلية في تطبيقاتها. فالتقرير المذكور، يقدر النمو المحتمل عامي 2016 و2017 للسعودية ، وهي صاحبة الاقتصاد الأكبر في الإقليم -ضمن أكبر 20 اقتصاداً في العالم- وصاحبة ثاني أكبر احتياطي نفط في العالم، بحدود 1.2 و2 في المئة في العامين على التوالي، وهو مستوى لا يكفي لعلاج أي من الاختلالات الهيكلية.ونمو الاقتصاد العالمي الضعيف، حتى مع تحقق السيناريو الأساسي، ومعه النمو الضعيف لاقتصادات الإقليم، وارتفاع مستويات الدين العام مع الالتزام لاحقاً بسداد أقساطها وفوائدها الآيلة للارتفاع أيضاً، تجعل عنصر الوقت العامل المؤثر الأهم في نجاح جهود الإصلاح من عدمها. وللتغلب على هذه العقبة في الكويت، تحتاج الإدارة العامة إلى ما يكفي من شجاعة للاعتراف بعدم جدوى جهود إصلاحاتها حتى اللحظة، وبأن المخاطر لا تحتمل المراهنة على تأجيل الإصلاح حتى انتخابات يوليو 2017.المتغيرات الكلية أثرت سلباً على شهية المستثمرين في أسواق المال السبعة في الإقليم
هبطت من 340.4 مليار دولار في النصف الأول من 2015 إلى 226.5 مليارا لـ 2016
قال تقرير "الشال" إن المتغيرات الكلية، والمقصود هنا انهيار أسعار النفط والأحداث الجيوسياسية في الإقليم والجوار، أثرت سلباً على شهية المستثمرين في أسواق المال السبعة في الإقليم، وأهم مؤشرات الضعف، مؤشر سيولتها، فالسيولة الكلية للأسواق السبعة هبطت من مستوى 340.4 مليار دولار أميركي في النصف الأول من 2015، إلى نحو 226.5 ملياراً للنصف الأول من 2016، فاقدة نحو ثلث قيمتها، أو نحو -33.5 في المئة. وذكر أن نسب هبوط السيولة بين سوق وأخر تفاوتت كما في الجدول رقم (1)، وراوحت ما بين -11.1 في المئة لأدناها، وكان سوق أبوظبي، و-38.8 في المئة لأعلاها لبورصة قطر، وكان سوق الكويت ثاني الأسواق في حجم فاقد السيولة، بنحو -34.9 في المئة، ثم السوق السعودي أكبر أسواق الإقليم الذي فقد نحو-34.1%. وتابع "إذا استثنينا سوقا البحرين ومسقط، وهما سوقان صغيران، كان السوق الكويتي أدنى الأسواق الخمسة الأخرى سيولة، بنصيب بلغ نحو 2.4 في المئة من سيولة الأسواق السبعة في النصف الأول من 2015، وتدنت تلك النسبة لتصبح 2.3 في المئة من الإجمالي للنصف الأول من عام 2016".مؤشرات كلية
وأضاف التقرير أن السيولة وحركتها المتغيران الأهم المؤثران في جاذبية تلك الأسواق، فارتفاع السيولة المبرر، يعني أن المؤشرات الكلية للاقتصاد إيجابية، ويعني أن الثقة في السوق المالي كبيرة، ومؤشرات الأسعار مجرد متغير تابع لمؤشر السيولة. لذلك، ونتيجة مباشرة لانحسار السيولة، حققت أسواق الإقليم السبعة خسائر متفاوتة في مؤشرات الأسعار، ما بين 30/06/2015 و30/06/2016، أدناها خسائر كان سوق أبوظبي بفقدان مؤشره -4.8 في المئة، وكان أدناها فقدان لسيولته. وكان أعلاها خسائر في مؤشراتها 3 من 4 أسواق كانت الأعلى فقدان سيولتها، وهي السوق السعودي ثالث أكبر فاقدي السيولة بخسارة لمؤشره بحدود -28.5 في المئة، ثم رابع أعلى فاقدي السيولة أو سوق دبي، ومعه أعلى فاقدي السيولة بورصة قطر، بفقدان مؤشر كل منهما نحو -19 في المئة. وأضاف أن سبب تفوق السوق السعودي في خسائره على سوق قطر، أنه كان أكبر الرابحين حتى 30 يونيو 2015، بإضافة مؤشره مكاسب بنحو 9 في المئة، بسبب الأثر النفسي لفتح تداولات السوق للأجانب بحلول ذلك التاريخ. بينما وضع السوق الكويتي مختلف، فهو سوق ضعيف السيولة في الأصل كما أسلفنا، ونصيب كل شركة مدرجة من السيولة أكثر ضعفاً نتيجة تفوقه في عدد الشركات المدرجة، لذلك، كان ثاني أكبر الخاسرين سيولة، وخامس أكبر الخاسرين أسعاراً بفقدان مؤشره نحو -16.3 في المئة.وقال التقرير إن الغرض مما تقدم، هو التأكيد على ما سبق أن طرحناه أكثر من مرة في تقريرنا، بأن العلاج المباشر بالدعم أو من خلال المحفظة الوطنية أو الصناديق، كلها وغيرها، لا تعني أكثر من ضخ سيولة مؤقتة، تؤدي إلى خسارة غير مستحقة للمال العام، وتبقى إجراءات فاشلة في استعادة الثقة في السوق.استدامة توازن
وذكر التقرير أن أي حل، لابد أن يكون مركبا ومحترفا ومتوسطا إلى طويل الأمد، فالتركيز لابد أن يكون على استدامة توازن حالة العرض والطلب، وهو إجراء صانع السوق جزء منه فقط، وخفض عدد الشركات المدرجة جزء منه فقط، وتحسين نوعيتها بإضافة شركات ثقيلة جزء منه فقط، وتوجيه الأموال إلى السوق لخفض المعروض بغرض التربح للمال العام جزء أيضاً، وإصلاح جوهري للسياسات العامة جزء رئيسي مكمل. ما عدا ذلك، ليس هناك ضمانة من عدم انتقال أزمة الأصول المالية إلى ما عداها من أصول، وإلى الأصول العقارية بالدرجة الأولى، ثم انتقالها إلى قطاع المصارف، ثم إلى الاقتصاد الحقيقي، فالانتقال يبقى مسألة وقت فقط.
التقديرات تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي حقق نمواً اسمياً سالباً بنحو 25.9%