من مآثر هذه الظاهرة حذف مقطع أغنية عبد الحليم حافظ «لسة شفايفي شايلة سلامك شايلة أمارة حبك ليَّ» ومقطع «قولي أيوة مرة واحدة، قولها يمكن ناري تهدى» من أغنية صباح « أيوة قول»، في حين تُعرض الأعمال كاملة في مصر. للأسف القيمون على الرقابة في مصر مجرد موظفين لا علاقة لهم بالفن، لذا تم الحذف والقطع من النسخ الأصلية، ويستمر هذا الوضع لغاية الآن، نسخ محذوف منها وأخرى كاملة وسليمة، ولم يتم معالجة الأمر.

Ad

جريمة في حق الفن

الكاتب الصحافي محمود التميمي الذي أثار القضية يوضح: «كنت أستمع إلى محطة الأغاني وفوجئت بحذف مقطع من أغنية «أول مرة» لعبد الحليم حافظ، وبعد سؤال أحد المسؤولين في الإذاعة المصرية أكد لي أن الحذف موجود في النسخة الأصلية ومن فترة طويلة، ويطاول أغاني عبد الحليم وصباح وشادية وغيرهم من عظماء الفن»...

يستنكر التميمي ذلك ويعتبره جريمة في حق الفن المصري وتاريخنا الفني الذي نعتز به، ويضيف: «قرر أحد الموظفين الذي لا يعرف خطورة ما فعله، ويعتبر نفسه أكثر تديناً وحفاظاً على الأخلاق من إسماعيل الحبروك مؤلف الأغنية ومنير مراد الملحن وعبد الحليم حافظ، أن يأخذ ثواب هداية المجتمع والحفاظ على الأخلاق، بحذف ما اعتقد أنه خروج على الآداب وخدش لحياء سيادته»، ويتسائل: أين المسؤولون في الإذاعة والتلفزيون مما حدث، أين دورهم في الحفاظ على تاريخ الفن وتاريخ العمالقة الذين رحلوا ولا يعلمون ما نفعله في إبداعهم؟!»

إهمال وفوضى

يرى الملحن حلمي بكر أن الإهمال والفوضى هما المُسيطران على مبنى الإذاعة والتلفزيون، وكل فرد يفعل ما يحلو له من دون رقابة أو توجيه من أحد، «ما سمح بالعبث بتراثنا الفني وحذف مقاطع وكلمات من الأفلام والحفلات الغنائية المصرية، ولم ينتبه أحد لهذه الكارثة، كذلك تم سرقة وتهريب نسخ أصلية من تاريخ الفن المصري من أفلام وأغان وحفلات نادرة، ولم يهتم أحد أيضاً».

يضيف: «ثمة نسخ كاملة في مكتبة الإذاعة ومكتبة التلفزيون ومن السهل نسخ هذه الأغاني والأفلام والاحتفاظ بها، لكن للأسف لا أحد يُقدّر قيمة هذه الأعمال وخطورة ما حدث، يكفي أن تعرف أن كل الأعمال في المكتبة ما زالت على شرائط قديمة ولم يتم نسخها على أسطوانات حتى الآن»، يتابع: «من المؤسف أن نتحدث عن أغاني عبد الحليم وصباح ونحذف منها لأن فيها ما يخدش الحياء في حين يعرض ما هو أسوأ الآن».

أما الموسيقار هاني مهنى فيعتبر أن ما حدث خطأ غير مقصود نتيجة الإهمال والفوضى المسيطرين على مبنى الإذاعة والتلفزيون في السنوات الأخيرة، «لأن ثمة نسخاً غير صالحة تعرضت للقص والمونتاج منذ سنوات طويلة عندما كان ثمة نوع من التحفظ والتشدد تجاه الفن، وبقيت في الإذاعة تُستخدم رغم وجود نسخ أخرى جيدة، ولم يتم الحذف منها وهو دليل على دعم التعمد والفوضى وعدم الإحساس بقيمة هذه الأغاني».

حول دور ورثة الفنانين الكبار في مطالبة الإذاعة والقنوات الفضائية بعرض هذه الأعمال من دون التعرض لها بالحذف أو القص من دون الرجوع إليهم، يؤكد مهنى أن هذه الأعمال مر عليها أكثر من 50 سنة، وأصبحت تاريخا لنا وملكا للجميع، ومن حق أي فرد في هذا الوطن أن يعترض على ما حدث لأنه تاريخ وإرث لنا».

يتابع أنه سيتحدث مع صفاء حجازي رئيس الإذاعة والتلفزيون لاتخاذ قرار بإزالة النسخ التي تعرضت للمونتاج وعمل نسخ جديدة صالحة للعرض والإذاعة.

نظرة سيئة

يرى الناقد طارق الشناوي أن هذه القضية تعود إلى أكثر من عشرين عاماً عندما كان ثمة تحفظ تجاه الفن ونظرة سيئة لما يُعرض للجمهور، فقرر أحد العاملين في الإذاعة حذف بعض الكلمات من بعض الأغاني حفاظا على الدين والأخلاق من دون الرجوع إلى المسؤولين الذين لم يهتموا بالأمر بعد ما حدث، واستمر هذا الحذف حتى الآن.

يضيف أن ثمة أغاني مهمة طالها القص والحذف من بينها «لست قلبي» لعبد الحليم حافظ، خصوصاً مقطع «قدر أحمق الخطى سحقت هامتي خطاه» وأيضا منع أغنية «من غير ليه» للموسيقار محمد عبد الوهاب كاملة وليس الحذف فقط.

يتابع: «حتى في حفلات الموسيقى العربية بدار الأوبرا تجد المطرب يعدّل الكلمات قبل الغناء حتى لا يتعرض للهجوم، وتحولت كلمة «أحمق الخطى إلى واثق الخطى» وإلى الآن يحدث هذا الأمر في حفلات الأوبرا.»

يشير إلى أن المسؤولين لم يطالبوا بهذا الحذف والمنع، ولكنه تصرف فردي من أحد العاملين بالمكتبة أو الكنترول، ولم يتدخل أحد لمنع أو إصلاح ما حدث واستمر عرض هذه الأغاني بعد الحذف، ورغم أن قرار عمل نسخ جديدة وإزالة القديمة بسيط إلا أن أي مسؤول لم يتخذه لغاية الآن ربما لأن هذه القضية لم تثر من قبل ولم يهتم أحد بما حدث.