سألني ابني فيما كنت أضعه في كرسيه الخاص في السيارة: «هل يمكننا التوجه إلى متجر «تارغيت»؟ أعتقد أنني بحاجة إلى مصاصة فحسب».

لم أطلعه على شكوكي وأخبرته أن علينا التوجه إلى المنزل بما أنه يعاني توعكاً.

Ad

سألني عندما بلغنا المنزل، مبدداً كل أمل بأن يكون متوعكاً بحق: «أيمكنني أن ألعب كرة القدم؟». أجبته: «أعتقد أن من الأفضل أن نتمدّد على الكنبة ونقرأ قليلاً يا صغيري، بما أنك مريض».

بعدما طالعنا بضعة فصول، وبعدما شعر براحة ودفء وبدأت دفاعات النهار تتلاشى، سألته عما إذا مرّ بأمر غير اعتيادي في المدرسة، فأجابني بالنفي وانتهى الأمر.

لكنه لم ينتهِ فعلاً. واصلنا المطالعة فترة وجيزة، ثم تناول وجبة خفيفة، فلاحظت أنه بدأ يزداد نشاطاً. ربما تراجعت آلام حنجرته ومعدته. لكنه ما لبث أن أفصح عمّا يخفيه.

ألمته معدته لأن تلميذاً آخر في الصف الأول لكمه خلال النزهة. لكنه لم يُعلم أي شخص بالغ لأنه لا يريد أن يُعاقب الولد الآخر. إلا أنه لم يشأ أيضاً البقاء في المدرسة. لذلك أخبر معلمته أنه يشعر بتوعك.

وهكذا حقق ولدي أكبر أمنياتي: لا أن يتعرّض للكم في المعدة أو يكذب على البالغين، بل أن يلجأ إلي عندما يعاني المشاكل، وأن يقرر بعد أن يحظى بوقت كافٍ للتفكير والتأمل أنني الإنسان الذي يستطيع أن يثق به ليوجهه خلال الأوقات العصيبة التي يُصادفها، حتى لو لم يطلعني على مشاكله منذ البداية. وآمل حقاً أن يظلّ الوضع كذلك عندما يكبر وتزداد الأوقات العصيبة شدة والإغراءات قوة.

صوتهم الداخلي

أحد الأقوال التي أفضلها عبارة الكاتبة بيغي أومارا: «تتحول الطريقة التي نخاطب بها أولادنا إلى صوتهم الداخلي».

أريد أن يخبره صوته الداخلي أنه إنسان صادق يمكن الوثوق به. لذلك أتحدث إليه على أنه كذلك.

لكنني لا أرغب في الوقت عينه في تملقه. لا أريد أن يظنّ أولادي أنني أفتقر إلى الذكاء الكافي لألاحظ ادعاءاتهم العابرة، التي قد تسبب مشاكل خطيرة، إن استمرت بعد إنهائهم المدرسة الابتدائية.

كيف أوفّق بين هذه المسائل كلها؟

اتصلت بكاتي هورلي، عالمة نفس متخصصة في حالات الأطفال والمراهقين لها «كتيب الولد السعيد: كيفية تربية أولاد فرحين في عالم مليء بالإجهاد» (The Happy Kid Handbook: How to Raise Joyful Children in a Stressful World من دار TarcherPerigree).

تقول هورلي: «للأولاد دوماً سبب وجيه يدفعهم إلى الكذب، مثل الخوف من الإحراج، محاولة تفادي تحدٍّ ما، السعي إلى التملص من أمر ما لأنهم أدركوا أنهم اتخذوا قراراً خاطئاً، أو رغبتهم في عدم تخييب أمل أهلهم».

لذلك عندما نلاحظ أنهم يكذبون، يجب ألا يكون هدفنا، وفق هورلي، حملهم على الاعتراف، بل التوصّل إلى اكتشاف ما الدافع وراء هذا الكذب.

تضيف: «لا يرغب الولد حقاً في الإقرار بأنه اقترف خطأ. لذلك يلتزم بموقفه ويكرر كذبه، ومن ثم يصرّ الأهل ويواصلون سعيهم إلى حمله على الاعتراف بأنه كذب. وهكذا نصل إلى مأزق لا تكون نهايته جيدة في معظم الأحيان».

تؤكد هورلي أيضاً أن أهلاً كثيرين أخبروها أنهم رأوا أولادهم يتسللون ويتناولون الحلوى قبل العشاء. إلا أن هؤلاء الأولاد رفضوا الإقرار بذلك مهما كانت الظروف. ولا شك في أن هذا الأمر يؤدي إلى موقف شبيه بما يلي:

• هل تناولت كعكة خلسة؟

• كلا!

• رأيتك تتناولها!

• كلا، لم أفعل.

• اعترف أنك تناولتها. أشعر بالاستياء لأنك تكذب علي لا لأنك أكلت كعكة. لمَ الكذب؟

• لا أكذب ولم أتناول كعكة خلسة.

وكلما أصرّ الأهل على الولد كي يعترف، ازداد رفضه الإقرار بالحقيقة، وفق هورلي.

نتيجة لذلك، تنصح بألا نطرح أسئلة نعرف الإجابة عنها سلفاً، فإن كنت واثقة من أن ولدك تناول الحلوى خلسة (أو ارتكب أي خطأ آخر)، عالجي هذه المسألة مباشرة.

تقول: «شددي على موقفك بدل أن تتهميه».

رأيتك تأكل كعكة وأعرف أن من الصعب الانتظار إلى ما بعد العشاء لتناول الحلوى، ولكن عليك أن تملأ جسمك بأطعمة مغذية أولاً.

أو كما في حالة ابني...

لاحظت أن خطباً ما وقع في المدرسة جعلك ترغب في المغادرة باكراً يا صغيري. لذلك، عندما تشعر بأنك مستعد للتحدث عنه، أنا مستعدة للإصغاء.

وتشدّد هورلي على أن لا داعي لأن نجري محادثات مماثلة مع ولدنا في الوقت عينه الذي يرتكب فيه الخطأ.

تضيف: «يقع الأهل دوماً في شرك الإصرار على معالجة المسائل فوراً. لكنهم يكونون في تلك المرحلة مستائين وعاطفيين. ما الخطأ الذي ارتكبته؟ لمَ يعاني ولدي الكذب المرضي؟ ولمَ لا يتحدث إلي بصدق؟ نتيجة لذلك، يكون الحوار متوتراً».

الاجتماع العائلي

لا شك في أن عليك معالجة المشكلة في الحال، إن كان سلوك ولدك خطراً. ولكن إن كان يسعك الانتظار...

توضح هورلي: «يشكّل الاجتماع العائلي مناسبة ممتازة للتحدث عن الحياة. لا داعي لأن يكون لقاء رسمياً كبيراً. يمكنكم بكل بساطة الجلوس معاً بعد ظهر يوم السبت. تشكل هذه الاجتماعات مناسبة ممتازة لزرع البذور. قد تقولين: تكون الحياة أحياناً ظالمة. وتنشأ مشاكل في المدرسة قد تدفعك إلى اتخاذ قرار خاطئ. فقد اقترفت الخطأ عينه أحياناً. لكن الأهم أنك تستطيع أن تخبرني بما تواجهه كي أتمكن من مساعدتك».

من الضروري أن تتذكري، وفق هورلي، أن ارتكاب الأخطاء يشكّل جزءاً من عملية نضوج الولد. تقول عالمة النفس هذه: «نعلّم الأولاد باستمرار أن يعتمدوا على أنفسهم. ولكن عندما يبدأون بالسعي وراء الاستقلال، نغضب منهم». نطلب منهم باستمرار القيام بالأمور بأنفسهم إنما على طريقتنا. لكن هذا أمر محير.

تتابع موضحة: «لا يتمتع الأولاد عند ولادتهم بمجموعة من مهارات التكيّف. لكن أفضل طريقة لإرشاد أولادنا تقوم على تعاطفنا معهم وإطلاعهم على بعض أخطائنا. وهكذا نمهد أمامهم الدرب للتحاور معنا بصدق، فتسقط دفاعاتهم عندما يشعرون أنهم لن يواجهوا العقاب».

بعثت برسالة إلكترونية إلى معلمة ابني في اليوم التالي وأخبرتها عن تعرضه للكم، فأجابتني برسالة إلكترونية أخرى ذكرت فيها أنها تحدثت إلى ابني والصبي الذي لكمه. شجعت ابني على إخبار شخص بالغ عندما يؤذيه أحد وذكّرت الولد الآخر أن من الخطأ لكم الناس.

ما كان من مفر من محادثة مماثلة، وما كانت لتحدث لو لم يستجمع ابني الشجاعة ويطلعني في النهاية على الحقيقة.

آمل أن أتذكر دوماً أن علي التحلي بالصبر والانتظار عندما يكون ذلك ملائماً.