ثقافة وتربية الأبناء

نشر في 03-08-2016
آخر تحديث 03-08-2016 | 00:00
 طالب الرفاعي في جلسة أصدقاء كان بيننا الطبيب والمهندس والكاتب والمدير المالي والإعلامي. مجموعة أصدقاء نلتقي بين آن وآخر. دار الحديث عن الشأن السياسي والعسكري، كونهما صارا جلّ اهتمام المحطات الفضائية والصحف وشبكات التواصل الاجتماعي.

ولأن توحش العنف وعنف التوحش كان حاضراً في تلك الأخبار، فقد فضَّل البعض أن نتكلم في موضوع آخر، شيء يبث ويحرك الطاقة الإيجابية بيننا. ولا أدري كيف قفز أحدنا ليقول "ما عدتُ قادراً على التعامل معه!".

توجهت الأنظار إليه، فنفخ موضحاً: "ابني!".

فجأة غشى الهدوء لحظتنا، ووجدت الجميع مصغياً لذاك الصديق: "كلما وجهته يساراً سار يميناً، وإذا نصحته بفكرة اتخذ ما يخالفها".

تدخل صديق آخر وشيء من ابتسام يعلو وجهه قائلاً له: "أنتَ تتكلم عن ابنتي!".

قلتُ أنا: "كأن الحديث يشمل الجنسين؛ البنات والأولاد!".

"صحيح"، قال والد الفتاة، وأكمل وقد تسرب بعض اسف لنبرته، "لا يكاد يمر يوم دون أن تتعارك زوجتي مع ابنتي، وسرعان ما يرتفع الصراخ، بين غضب الأم وعناد الابنة".

شارك معظم الحضور، وكان لدى كل أب شكوى من ابنه أو ابنته. واضح أن الاختلاف بيّن بين جيل وجيل، ويصبح أكثر حين يتسع فارق العمر بين الآباء والأبناء.

بدا لي أن الأبناء باتوا لا يحتملون أي سؤال أو تدخل في حياتهم، حتى من باب النصيحة، وأنهم يفضّلون الدراسة وفق طريقتهم، ويصر بعضهم على الدراسة بمعاونة المدرس الخصوصي. ويبدو مستحيلاً استغناء الأبناء عن أجهزة الهاتف النقال والكمبيوتر و"الآي باد" وزيارة مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، وإطالة المكالمات التلفونية، وأخيراً طبيعة البرامج التلفزيونية التي يحرص الأبناء على مشاهدتها.

من البداهة القول إن كل جيل هو وليد حينه، وهو الوجه الأكثر تمثيلاً للحظة العابرة. لذا، فإن جيلاً فتَّح عينيه على شاشة الكمبيوتر، وعلى الهاتف النقال، ولاحقاً على شبكات التواصل الاجتماعي، سيكون من غير المنطقي أن يتماشى وقيم جيل سابق، وأن يتخذ من قناعات ما عاشها ولا عرف معنى لها قناعات يتعيش بها.

إن أكثر ما اختلف به مع أبنائي هو القراءة والكتاب، لكن هذا يأتي في سياق استيعابي بأن الكتاب العربي، وخاصة كتب الأطفال والناشئة، ما عادت قادرة على مجاراة اللحظة التي تضج بتغيراتها، ولا عادت قادرة على الإتيان بما يقنع الولد أو البنت ويسلّيه. وبالتالي هناك ما يبرر تماماً انصرافه عن الكتاب وابتعاده عن القراءة.

المسؤولية كبيرة ومتشعبة تبدأ في حضن الأسرة وعلاقة الأم والأب بالأبناء، ومدى حضور المربية والخادمة في عالم الطفل الوليد، ولحين يدب في خطواته. ولاحقاً تواجد الأم من حول أبنائها، وحرصها على محاورتهم في أمور الحياة البسيطة التي تحيط بهم، والأخذ بأيديهم في خطواتهم الأولى في الروضة والمدرسة. بعد الأسرة يأتي دور المدرسة، وهو مكمل لدور الأسرة، وكم تبدو الهوة شاهقة بين المناهج المدرسية القائمة، وما يجب أن تكون عليه. بل أظن أن كمَّاً كبيراً من المناهج صار يجب التخلي عنه لصالح مبادئ وعلوم جديدة وطرق تدريس عصرية.

ما زالت المدرسة العربية قائمة على التلقين، وعلى علاقة فوقية بين المدرس والطالب، وعلى واجبات مهلكة بعد عودة الأبناء من الدوام المدرسي، وهذه كلها ما عادت تنتمي للتعليم الحديث.

أعلم من تجربتي الشخصية مع أبنائي وأقرباء لي، أن خلافاً كبيراً يخيِّم على علاقة الآباء والأمهات من جهة، والأبناء من جهة أخرى. وأهم ما في هذا الخلاف، هو حاجة الجيل الناشئ لتعليم مختلف وعلاقة إنسانية رحيمة واهتمام من الوالدين ومزيد من الحرية. وفي المقابل، يجب أن يجمع الحب بين الأبناء والأمهات والآباء، وأن يكون هذا الحب ملوناً بالاحترام وتقدير الأبناء للوالدين.

وأخيراً، فإن شيئاً من الخلاف سيبقى قائماً، فهذا شأن من شؤون الحياة في كل زمان ومكان.

back to top