رغم الضجة المصاحبة لقرار مجلس الوزراء هذا الأسبوع برفع أسعار البنزين إلى مستويات تصل الى 83 في المئة، مقارنة بالأسعار السابقة، فإن الوفر المالي الحقيقي على هذه الخطوة لن يتعدى 140 مليون دينار، أي ما يعادل 1.47 في المئة من إجمالي العجز «المعدل» المتوقع في الميزانية البالغ 9.5 مليارات دينار.

فعلة الاقتصاد الكويتي لا يمكن التعامل معها بمنطق الإيرادات والمصروفات وما ينتج بينهما من فوائض وعجوزات، إذ إنها ليست عملية حسابية صرفة، بل بإعادة هيكلة العديد من اختلالات الإنفاق العام بشقيه الاستهلاكي والاستثماري بما يصب في اتجاه تجنب الارتطام بمخاطر المستقبل، وهي أمور أكبر بكثير من إعادة تسعير البنزين أو الكهرباء والماء أو حتى فاتورة الدعم بأكملها.

Ad

بتفصيل أكثر، يعتبر سوق العمل مثلا في الكويت أحد أهم التحديات التي تواجه الإنفاق العام بما يستهلك أكثر من 52 في المئة من إجمالي ميزانية الدولة، نتيجة لعجز الإدارة التنفيذية خلال 15 عاما - على الأقل - هي زمن الفوائض المالية الضخمة في إعداد فرص استثمارية في القطاع الخاص، فضلا عن التشغيل الحقيقي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بما يسهم في توفر فرص عمل للشباب الكويتي، إذ تشير دراسة لمعهد الكويت للأبحاث العلمية الى أرقام مقلقة تنذر بأزمة بطالة حقيقية على المدى المتوسط.

تحديات البطالة

فحسب الدراسة التي تنسجم مع العديد من الدراسات والتقارير الحكومية، نجد أن الميزانية العامة بحاجة الى سعر برميل نفط يبلغ 203 دولارات في عام 2026/2025 لتمويل 56 مليار دينار هي قيمة بند الرواتب فقط في الميزانية الذي يناهز حاليا 11 مليار دينار، الأمر الذي يهدد بتنامي نسبة البطالة المقدرة حاليا بـ 6.8 في المئة الى معدل تراكمي يبلغ 46 في المئة، وهي افتراضات ترتبط باستمرار السياسات الحالية في سوق العمل بالوتيرة نفسها.

وربما يتساءل البعض: لماذا نفترض استمرار السياسات الحالية في سوق العمل مثلا، في ظل وجود خطاب حكومي إصلاحي؟

الجواب: لا يوجد خطاب حكومي «إصلاحي» أهم من وثيقة الإصلاح الاقتصادي والمالي التي لم تبين عدد الوظائف المراد خلقها في خطة الإصلاح الاقتصادي لا على المدى المتوسط ولا الطويل، وتطرقت فقط الى المشروعات الصغيرة التي يبلغ عددها المفترض 2727 مشروعا خلال 4 سنوات من المنتظر أن توفر 3500 فرصة عمل فقط، أي بمعدل 1.3 فرصة لكل مشروع، وهو معدل متدن جدا، ويفتح الباب لمزيد من اختلالات التركيبة السكانية.

اختلال التركيبة

فالتركيبة السكانية بشكلها الحالي 31 في المئة مواطنون، مقابل 69 في المئة وافدون، تشير الى اختلال فاضح يؤثر بشكل أساسي على جانب مهم من فاتورة الدعم وسوق العمل، فالأولى هنا إصلاح التركيبة السكانية قبل إعادة هيكلة الدعم، خصوصا في ظل تنامي العمالة الهامشية، فضلا عن تجارة الإقامات، وهي كلها تستهلك من الإنفاق العام دون عائد حقيقي على الاقتصاد، مما يستوجب العمل بشكل جدي لإعادة هيكلة التركيبة السكانية بشكل متوازن وتدريجي، وفقا لاحتياجات السوق ومعايير الكفاءة.

هيكلة المشاريع

إصلاح الاقتصاد لتلافي مخاطر المستقبل يستوجب إعادة هيكلة الإنفاق الاستثماري على المشاريع، بما يخدم احتياجات الدولة من حيث تنويع الإيرادات الحكومية غير النفطية وخلق فرص عمل في القطاع الخاص، فالكويت أرست في عام 2015 ما يتجازو 9.5 مليارات دينار على مشروعات لا يعرف مدى أثرها على تنويع الإيرادات أو فرص العمل، مما يتطلب إجراءات تتمثل في هيكلة المشاريع المليارية (قيمتها الإجمالية 74.3 مليار دينار)، التي تكلف الميزانية مبالغ كبيرة لإعادة طرحها مجددا بطريقة تضمن للدولة فوائد اقتصادية، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بدلا من طرح المناقصات العامة التي ترهق مالية الدولة وميزانيتها، خصوصا في ظل الظروف العصيبة حاليا في سوق النفط.

ولعل الخطة الحكومية السنوية 2015 /2016 وحدها تضمنت نحو 519 مشروعاً، بتكلفة إجمالية تبلغ 45 مليار دينار، لكنها لاتزال غائبة عن حل العديد من أوجه الاختلالات في الاقتصاد الكويتي، بل إن بعضها يمثل إرهاقا للميزانية، لكونه يرسخ الإنفاق الحكومي على مشروعات لا يعرف جدواها ماليا واقتصاديا على المديين المتوسط والطويل.

مخاطر التضخم

رفع سعر البنزين أو أي سلعة أخرى، كالكهرباء والماء، لابد أن يتم بعد دراسة للنمو المتوقع لمستوى التضخم في الكويت والآثار المترتبة على العديد من مناحي الحياة غير المباشرة، كالإيجارات والأغذية وغيرهما، إذ تشير بيانات الإدارة المركزية للإحصاء لشهر يونيو الماضي الى أن الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين (التضخم) محليا ارتفع 3.06 في المئة، مقارنة مع شهر يونيو 2015، كما أنه ارتفع بنسبة 0.71 في المئة في يونيو الماضي، مقارنة بشهر مايو الماضي على أساس شهري.

وتعود بنا الذاكرة الى بداية تطبيق قرار تحرير أسعار الديزل عام 2014، فحدث انفلات في الأسعار بسبب صعوبة ضبط السوق، وهو أمر يخشى تكراره مع إعادة تسعير البنزين.

لعله من الأهمية القول إن تحديات الاقتصاد الكويتي أكبر بكثير من مجرد فاتورة دعم لا مانع من ترشيدها بشكل يضمن محدودية آثار التضخم، والتدرج في التطبيق، وحماية الفئات الأقل دخلا، لكنه لن يكون الحل الذي يقلل المخاطر التي تواجهنا خلال السنوات القليلة المقبلة.