ذلك المساء كان الغروب فيه ساحرا، تتوسط الشمس منتصف البحر معلنة غروبها الخجول، الذي يملأ الكون بألوان متمازجة ما بين الأزرق والبرتقالي. لوحة إبداعية من صورة الرحمن تتجسد يوميا في السماء، حين تقرر الشمس أن تغيب لتنهي نهارا، وكل منا لديه نهار مختلف.
هذا الكادح الذي يعمل "شيفتين" متواصلين ليؤمّن تعليم أبناءه الخمسة، وتلك الأسرة التي أمضت نهارا كاملا وهي هاربة من قسوة وطن أعلن أفراده الحرب على بعضهم، فمشى أبناؤها نهاراً كاملاً أو أكثر ليصلوا إلى حدود غير بلدهم، فلربما يكسبون فرصة حياة في غربة خير من وطن تتعالى فيه أصوات القنابل والرصاص. وهذا الذي مر نهاره على سريره متلكئاً بإجازة مرضية فقط لأنه لا يحب أن يصحو في الصباح، ينهل من أموال الدولة نهارا ويتذمر عليها ليلا في الديوانية مع أصحابه. وتلك الأم التي لم تنم لا نهارا وليلا ساهرة على راحة ابنتها حديثة الولادة، تخاف إن أهملتها لحظة أن يمسها مكروه، نسيت نفسها، نسيت متى آخر مرة نامت فيها ثلاث ساعات متواصلة. وتلك المريضة العاجزة التي فقدت رجلها اليمنى إثر قصف على قريتها التي تمكن منها "داعش" وتفنن في تعذيب أهلها، حامدة ربها أنها فقدت طرفا حتى لا يتم بيعها في سوق النخاسة كما حدث لابنة عمها. وهذا الشاب الذي يبحث عن ذاته في الأسفار ووجدها في أميركا اللاتينية، فتخلى عن حياة الرفاهية، وبات صديق المساكين والمتسكعين، هاربا من كل روتين يومي، ويعيش دون معاش، يقتات من عزفه على الطرقات المبتهجة للسياح بآلة الناي فارضا شرقيته التي لم ينسها. إلى كل هذه الأرواح التي تودع الشمس باللحظة نفسها غير مدركة جمال المنظر، فقط لأن كلاً منها يعيش يومه حسب ظروفه... إليكم جميعا أقول: تأملوا قليلا جمال هذا الكون، مازال هناك ما يستحق الحياة، وإن كان غائبا عنكم الآن.
مقالات
منظور آخر: عن ذلك المساء الجميل
04-08-2016