«سور الكويت الثالث».. شاهد على تعاضد أبناء الكويت لحمايتها من الأخطار الخارجية

نشر في 04-08-2016 | 13:35
آخر تحديث 04-08-2016 | 13:35
«دسمان والبريعصي والشامية والجهراء والمقصب».. جميعها أسماء لـ «دروازات» أي بوابات سور الكويت الثالث الذي يعد من أشهر أسوار البلاد نظراً للجهود الكبيرة التي بذلها أبناء الوطن في بنائه بسواعدهم وتعاضدهم وتكاتفهم لحمايتها من الأخطار الخارجية.

واتخذ أهل الكويت قرار بناء السور الثالث بعد ضعف جدار السور الثاني الذي أخذ يتخلله ثغرات «مطبات» كثيرة يدخل منها المتطفلون والأغراب ويعرف مكانها آنذاك بفريج «المطبة» ثم لم يلبث الكويتيون أن استحدثوا مطبات أخرى في السور أدت إلى ضعفه وتهدمه.

ودفع تهدم السور الثاني أمير الكويت آنذاك الشيخ سالم المبارك الصباح إلى الأمر بإقامة سور جديد يتميز بالقوة والصلابة في أعقاب معركة حمض في 15 مايو عام 1920 فكان بناء السور الثالث الذي شيد من الطين الخالص وضم 26 برجاً وخمس بوابات تمتد من الشرق إلى الغرب إذ شيدت الأبراج من الطين واللبن معاً في حين فُصِّلت «الدراويز» من الخشب.

وبدأ أهل الكويت في بناء السور الثالث في 27 شعبان 1338 هجرية واشترك في بنائه معظم أهل الكويت صغاراً وكباراً فكان سكان كل حي يقومون ببناء السور المقابل لمنطقتهم وينقلون الطين واللبن من «المطاين» إلى موقع البناء على ظهور الحمير.

شهرين

واستمر العمل في بناء سور الكويت الثالث على قدم وساق شهرين متتاليين حتى تم الانتهاء من بنائه في 6 شوال عام 1338 هجرية.

ويبلغ طول السور الثالث خمسة أميال ويمتد من رأس عجوزة «البحري» شرقاً حتى نهاية ساحل الوطية غرباً متخذاً شكل قوس فيما بلغ ارتفاعه 14 قدماً وسمكه من الأسفل 1.5 متر يأخذ بالتناقص كلما ارتفع البناء.

وقال المؤرخ بشار محمد خليفوه في كتابه «سور الكويت الثالث وتاريخ بواباته» أن العمل في بناء السور كان يتم ليلاً بعد صلاة العشاء على أضواء مصابيح «الكاز» حيث كان يتجمع الرجال في الساحات العامة للمدينة.

وأضاف أن مجاميع الرجال تبدأ بعد ذلك بالتوجه إلى مكان البناء حاملين الأعلام والمصابيح بمصاحبة قرع الطبول إذ ترتفع الأصوات بالأغاني والأناشيد الحماسية مع أداء رقصة «العرضة» الشعبية المشهورة حتى إذا وصلوا إلى الموقع ركزوا الأعلام وانكبوا على العمل بالبناء حتى إذا ما طلع الفجر عادوا إلى دورهم.

أما مهمة حراسة بوابات السور «الدراويز» فكانت تناط باشخاص يتسمون بالصدق والأمانة والشجاعة يطلق عليهم «الفداوية» ويتراوح عددهم في كل دروازة من أربعة إلى ستة حراس في الحالات العادية مزودين بالبنادق وكانوا يفتحون البوابات بعد صلاة الفجر من كل يوم ويقفلونها بعد صلاة المغرب.

بوابات

وكان للسور الثالث أربع بوابات ثم أضيف إليها بعد ذلك بوابة خامسة فيما كان أهل الكويت يطلقون على البوابات لفظ «دروازة» وهي كلمة فارسية الأصل وقيل أن أصلها الأول يعود إلى الهند وتعني «البوابة الكبيرة».

وسميت هذه البوابات بالترتيب من جهة الشرق إلى جهة الغرب بـ «دروازة بنيد القار» أو«دروازة دسمان» وتعود التسمية الأولى إلى وجود رواسب من مادة «القار» على الساحل المحاذي لهذه البوابة لكون هذه المادة تتدفق من منبعها في جزيرة «قاروه» وتأتي بها الرياح إلى الساحل أما التسمية الثانية فهي نسبة إلى قرب موقعها من قصر دسمان.

والبوابة الثانية سميت «دروازة البريعصي» أو «دروازة الشعب»، وتعود التسمية الأولى نسبة إلى رجل من قبيلة مطير من البراعصة ويقال إن اسمه فلاح كان يمتلك مزرعة بمنطقة الدسمة خارج السور قريبة من موقع البوابة ومسؤولاً عن البوابة وعن حراستها كما كان يرسل إلى حراس الدروازة الطعام يومياً من ماله الخاص، وبعد فترة من الزمن تحول اسمها إلى «بوابة الشعب» نسبة الى قرب موقعها من منطقة الشعب.

أما البوابة الثالثة فسميت «دروازة الشامية» أو «دروازة نايف»، وتعود التسمية الأولى إلى قرب موقعها من منطقة الشامية والتي كانت مجموعة من آبار المياه العذبة التي يستقي منها الأهالي وهي قريبة لهذا الباب، أما التسمية الثانية فهي نسبة إلى قرب موقعها من قصر نايف.

وسميت البوابة الرابعة «دروازة الجهراء» وتعود تسميتها نسبة إلى موقعها على الطريق المؤدي إلى الجهراء، فيما تعني آخر البوابات «دروازة المقصب» باللهجة الكويتية «المسلخ» وتعود تسميتها نسبة إلى المسلخ العام القديم القريب منها الذي كان الجزارون يذبحون فيه أغنامهم.

«غولة»

وللسور الثالث 26 برجاً يسمى الواحد منها «غولة»، والغولة عبارة عن غرفة مستديرة منصبة في السور يتم بناؤها بشكل مستدير لاستراتيجية عسكرية تهدف إلى اقتناص العدو من جميع الجهات من خلال الثقوب التي تتخلل الغولة من كل جانب.

وهُدِمَ السور الثالث في فبراير عام 1957 في عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح مسايرة لما شهدته الكويت آنذاك من نهضة عمرانية واقتصادية مع الإبقاء على بواباته الخمس التي مرت بمراحل عدة حتى وصلت إلى الشكل الذي نراه حالياً أثراً تاريخياً مُحاطاً بالأشجار والأزهار على مشارف العاصمة الكويتية.

back to top