هدايا للشعب!
الألم الأكبر في قرار رفع أسعار الوقود يكمن في المنظور الحكومي تجاه المواطن، حيث تحاول الحكومة أن تبيع على ظهره فكرة التقشف وتنويع مصادر الدخل ومواجهة تراجع أسعار النفط، وأخيراً تطبيق شعار ترشيد الإنفاق!
بالتزامن مع الذكرى المؤلمة للغزو العراقي أصرت الحكومة على زيادة جرعة الألم على المواطنين بقرارها رفع أسعار الوقود، وعلى الرغم من أن هذا القرار قد اتخذ في وقت سابق فإن الإعلان عنه مع هذه المناسبة الكارثية يعد استفزازاً للشعب الذي لم يعد له أي تقدير واحترام حكومي، ولا ظهر نيابي للدفاع عنه وصون حقوقه، أو حتى احترام مشاعره.قرار سعر البنزين قد لا يقلب الدنيا رأساً على عقب، وسيكتفي الناس بمجموعة من التعليقات الساخرة و"الطنازة" الكويتية المعهودة، ثم يتحول الأمر إلى واقع، وتستمر الحياة على طبيعتها، خصوصاً أن الأسعار الجديدة ليست قرصة قوية على جلد الغالبية من المواطنين.الألم الأكبر في قرار رفع أسعار الوقود يكمن في المنظور الحكومي تجاه المواطن، حيث تحاول الحكومة أن تبيع على ظهره فكرة التقشف وتنويع مصادر الدخل ومواجهة تراجع أسعار النفط، وأخيراً تطبيق شعار ترشيد الإنفاق!
كتبنا في وقت سابق بأن الميزانية التي قد توفرها الحكومة من رفع الدعم عن الوقود لا تصل إلى 0.5% من الميزانية العامة للدولة، أي هي بمثابة قطرة في بحر، وربما كان خيار ترشيد الإنفاق مبرراً للمواطن لو اتخذت الحكومة الخطوات ذاتها على ممارساتها وطرق إنفاقها المالي أو المزايا التي يحصل عليها من اتخذ هذا القرار، وهم أعضاء مجلس الوزراء، وما يتقاضونه من "بونص" سنوي يساوي مئات الآلاف من الدنانير.قرار رفع أسعار البنزين تزامن مع قانون إلغاء المناقصات المليونية في المشاريع النفطية، إضافة إلى إلغاء الرقابة المسبقة عليها، فأي ترشيد في الإنفاق هذا؟ والقرار نفسه جاء بعد آخر مشروع حكومي هو المطار الجديد الذي سيكلف المال العام قرابة الملياري دينار كويتي، ولا يتعدى كونه توسعة وترقيعاً للمطار الحالي، رغم رفض الجهات الرقابية والمحاسبية وتحفظها على المشروع وما يعتريه من تساؤلات واستفهامات، وفي مقدمتها لجنة المشاريع في مجلس الوزراء وديوان المحاسبة، فهل تدرك الحكومة أن قيمة مشروع المطار فقط تساوي قيمة الدعم المقدم لبنزين سيارات الكويتيين لعشرين سنة قادمة فقط؟ فأي تقشف أو تنويع للدخل تتحدث عنهما الحكومة؟!لو كان قرار ترشيد استخدام السيارات من خلال رفع الدعم عن البنزين رشيداً لأتى على أضعف الإيمان ضمن حزمة من القرارات التي تعكس مؤشرات واضحة للإصلاح الاقتصادي، أو بالتزامن مع مشاريع تعلنها الدولة في إطار استحداث مداخيل مالية على الخزانة العامة، لكن جرأة الحكومة على اعتبار الناس الحلقة الأضعف أو الطوفة الهبيطة هي من دفعها إلى اتخاذ مثل هذا القرار دون تردد، بل إن ما يدفع الحكومة إلى اتخاذ مثل هذا القرار وغيره من القرارات التي قد تضم حتى الرسوم والضرائب أن الناس في السنوات الأخيرة كانوا هم من يدلّعون الحكومة ويمكنونها من الاستفراد بالقوة والقرار، وهذا مصداق حقيقي وطبيعي لمقولة "يا شين الحكومة إذا عطيتها ويه".