«مهرجان للفيلم العربي لا يضم فيلماً مصرياً واحداً»، هكذا قيل في الأيام القليلة التي سبقت انطلاق الدورة التاسعة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي (22 – 27 يوليو 2016)، وأزعم أنها اتهامات افتقدت الدقة، وافتقرت إلى الموضوعية، ولم تعد مستساغة في عصر المعلومات المتاحة، والسماوات المفتوحة، التي لا يمكن في ظلها أن تُطلق الأحكام المُرسلة، وتُطرح وجهات النظر المتسرعة، التي تعكس نوعاً من الافتقار إلى المعرفة الحقة بأبعاد الموضوع المُثار على الساحة، ففي ظل الطفرة التكنولوجية الهائلة، لم تعد ثمة صعوبة في العودة إلى قاعدة المعلومات المتاحة، سهلة التداول، وقريبة التناول، التي لا يمكن معها إسقاط بعض الحقائق الثابتة بحجة الجهل بها! مغالطة صارخة، لأن ما حدث بالضبط، وعايشه الجميع على أرض الواقع، أن مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي شهد في دورته التاسعة اهتماماً كبيراً بالسينما المصرية، التي لم يُسقطها أبداً من حساباته، بل وضعها في دائرة أولوياته، بدليل اختيار ثلاثة أفلام مصرية للتنافس في المسابقات الرسمية الثلاث هي: {حار جاف صيفاً} إخراج شريف البنداري (شارك في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة)، {أبداً لم نكن أطفالاً} إخراج محمود سليمان (شارك في مسابقة الأفلام الوثائقية) و{نوارة} إخراج هالة خليل (شارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة)، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما بلغت الحفاوة منتهاها، باختيار النجم المصري فاروق الفيشاوي ليكون ضيف شرف الطبعة التاسعة من المهرجان، كما انضمت النجمة صفية العمري إلى قائمة الضيوف المُحتفى بهم، وهي التي شاركت من قبل في تظاهرة {أيام الفيلم العربي المتوج}، التي أقيمت في إطار الاحتفالات باختيار {قُسنطينة عاصمة للثقافة العربية}عام 2015.
في سياق هذا التكريم اختير الممثل الشاب آسر ياسين في عضوية لجنة تحكيم الأفلام الطويلة، التي ترأسها المخرج السوري الكبير محمد ملص، كما برمجت محافظة المهرجان وقفة تكريمية لفيلم {عودة الابن الضال} للمخرج الكبير يوسف شاهين بمناسبة مرور 40 عاماً على إنتاج الفيلم، الذي وصفته بأنه {حكاية حب بين مصر والجزائر}، إذ يُعد إنجازاً سينمائياً مشتركاً بين البلدين، ويكفي أنه جمع بين الجزائري سيد علي كويرات واللبنانية ماجدة الرومي والنجوم المصريين: هدى سلطان، شكري سرحان، محمود المليجي، هشام سليم وأحمد محرز... وغيرهم، كما أن الأرقام تقول إن الدورة التاسعة سجلت حضور 13 دولة عربية عُرض لها 34 فيلماً في المسابقة الرسمية، من بينها 12 فيلماً روائياً طويلا، 12 فيلماً روائياً قصيراً و10 أفلام وثائقية، واللافت أن السينما المصرية لم تغب عن المسابقات الرسمية الثلاث، إذ شاركت بثلاثة أفلام، فضلاً عن ضيوف الشرف، كما تم تمثيلها في عضوية لجنة التحكيم، وجرى تخليدها من خلال {الابن الضال}، بما يعني أن المهرجان لم يقصر، على الإطلاق، في حق السينما المصرية، وإنما منحها ما تستحقه من تقدير وتوقير واحترام لها ولرموزها . المفارقة، التي فضحت مقولة {مهرجان للفيلم العربي لا يضم فيلماً مصرياً واحداً}، وأكدت أنها صدرت في عجالة، ومن دون تعقل، أن السينما المصرية حصدت في الدورة التاسعة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، أربع جوائز رفيعة، هي: الوهر الذهبي (الجائزة الكبرى) لأفضل فيلم روائي طويل، وذهبت إلى فيلم {نوارة} إخراج هالة خليل، الوهر الذهبي لأفضل فيلم روائي قصير، وذهبت إلى فيلم {حار جاف صيفاً} إخراج شريف البنداري، بينما ذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مسابقة الأفلام الوثائقية إلى فيلم {أبداً لم نكن أطفالاً} إخراج محمود سليمان، وحصدت الممثلة المصرية منة شلبي جائزة أحسن دور نسائي عن فيلم {نوارة} . ربما يتبادر إلى ذهن البعض أن المهرجان جامل السينما المصرية عندما خصها بالجوائز الأربع الرئيسة، وإذا افترضنا أن الممثل المصري آسر ياسين أدى دوراً في فوز فيلم {نوارة} بجائزتي أفضل فيلم وأفضل ممثلة، كونه عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، التي ترأسها المخرج السوري محمد ملص، وقيل إنه أظهر تعاطفاً واضحاً حيال {نوارة} ومخرجته، فكيف انتزع فيلما {حار جاف صيفاً} و{أبداً لم نكن أطفالاً} جائزتي الوهر الذهبي ولجنة التحكيم الخاصة في مسابقتي الأفلام الروائية القصيرة والأفلام الوثائقية، اللتين خلتا تماماً من أي عنصر مصري في لجنتي تحكيمهما، واقتصرت عضويتهما على سينمائيين من الجزائر، فرنسا، المغرب ولبنان، في حين ترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية القصيرة المخرج والسيناريست والمونتير الجزائري رشيد بن علال، وترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الوثائقية المخرج والسيناريست التونسي مراد بن الشيخ؟ بدأ الأمر باتهام المهرجان بأنه تجاهل السينما المصرية وانتهى باتهامه أيضاً بأنه انحاز لهذه السينما العريقة، فأين المفر؟
توابل - سيما
فجر يوم جديد: أين المفر؟
05-08-2016