6/6 : العرب ظاهرة صوتية
السعودي عبدالله القصيمي، رحمه الله، سابق لعصره، ومستشرف لمستقبل أمته، تبصّر وكتب بعض عصارة فكره في كتابه الأشهر "العرب ظاهرة صوتية" قائلاً:"كل الشعوب تلد أجيالاً جديدة، إلا نحن نلد آباءنا وأجدادنا.كل الأمم عرضت تاريخها إلى النقد إلا بني يعرب.
كل الأمم نزعت القداسة عن تراثها إلا بني يعرب.كل الأمم تتطلع إلى مستقبل يتقاطع مع مساوئ ماضيها إلا بني يعرب يرون مستقبلهم في عودة الماضي.كل الأمم ترى أن الدين لله والوطن للجميع إلا بني يعرب. كل الأمم تجاوزت الفصل بين السياسة والدين إلا بني يعرب.كل الأمم تعشق الفنون والثقافة وتحترم المرأة إلا بني يعرب، فإنهم يؤسسون لثقافة الموت والقبور، وثقافة تغليف المرأة.كل الشعوب تلد أجيالاً جديدة، إلا نحن نلد آباءنا وأجدادنا، وذلك بغرس طبائع آبائنا وأجدادنا بهم، وحثهم ومطالبتهم بالتمسك بها والحفاظ عليها مهما كانت، ولذلك فشعوب العالم تتطور ونحن نتخلف. فها نحن اليوم لا نقبل أن ننزع هالة القداسة عن تاريخنا، وأن نعرض هذا التاريخ للنقد، لنتجاوز ما خلّفه من إرث قد لا يخدمنا اليوم، أو أخطاء تاريخية كانت سبباً في تشتتنا وتقسيمنا إلى أوصال تسببت في ضعفنا ولربما في ضياعنا.نحن لا نقبل أن نطور ثقافتنا وأصولنا بما يتلاءم مع واقعنا، الأمم الأخرى في كل مرحلة تاريخية خلقت أجيالاً استطاعت أن تتعامل مع الواقع، وما يحمله من مفاهيم إلا نحن، لم نستطع خلق جيل يتعامل مع واقع اليوم في وجوده ودوره... لأننا لم نستطع أن نصنع حاضراً ليكون أساساً للمستقبل القادم ودرساً من دروس التاريخ، لأننا نصر على تمجيد ماضي آبائنا وأجدادنا، ونتغنى بإنجازاتهم، ونغطي مساوئهم، فأصبحنا أسرى لما خلّفوه من إرث تاريخي بكل ما حمله هذا التاريخ من الصالح والطالح، ولم نستطع أن نجدد الحياة بما يتلاءم مع ما نعيشه اليوم".كتب القصيمي، رحمه الله، ما كتب، ولم يتحقق شيء مما تطلع إليه عبر عمره الذي امتد تسعين عاماً، ومات حاملاً حسراته وحسرات أمته التي اهتم أبناؤها بثقافة الموت، وتجاهلوا ثقافة الحياة!