حدود التباين في معلومات الناتج المحلي الإجمالي الأميركي

نشر في 06-08-2016
آخر تحديث 06-08-2016 | 00:01
من شأن وضع برنامج يهدف الى تحسين البنية التحتية تحقيق فوائد تعوض عن التباطؤ الحالي في مستقبل الناتج المحلي الإجمالي، ويمكن تمويل ذلك من خلال معدلات الفائدة المتدنية غير العادية كما يسهم في الرفاهية الاجتماعية وفي إنتاجية القطاع الخاص.
 بلومبرغ • المعلومات التي نشرت أخيراً عن الربع الثاني للناتج المحلي الإجمالي الأميركي حملت أشياء لكل مهتم بهذا الشأن. على سبيل المثال فإن في وسع المتفائلين استخلاص عوامل راحة من النمو القوي الذي حققه استهلاك العائلات في الولايات المتحدة، ويتعين على المتشائمين أن يشعروا بقلق من تراجع الاستثمارات والزيادة الكبيرة في المخزون، وإذا كنت ممن يقلقون على ما يحمله مستقبل الاقتصاد الأميركي فستتساءل عن كيفية التوفيق بين هذه الاتجاهات المختلفة والمتباعدة.

وقد توسع الانفاق الاستهلاكي للعائلات بنسبة مؤثرة بلغت 4.2 في المئة خلال الربع الثاني من هذه السنة مدفوعاً– بحسب الأهمية– بخلق الوظائف في السنوات الأخيرة، والتوافر السهل للائتمان والنمو الطفيف في الأجور وارتفاع الثروة المالية والاسكان.

أرقام قوية

وعلى الرغم من أن الاستهلاك يشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد فإن تلك الأرقام القوية لم تكن كافية للتعويض على الوضع المحبط والمخيب للآمال بصورة لافتة في مستويات الناتج المحلي الاجمالي، وبشكل اجمالي جاء النمو الاقتصادي بمعدل سنوي بلغ 1.2 في المئة، وهو أدنى كثيراً من التوقعات السابقة التي وضعته عند نحو 2 في المئة. كما أن هذا كان أكثر احباطا نتيجة أن معلومات الربع الثاني من هذه السنة كان يتوقع لها أن تظهر عودة ملائمة مختلفة عن النمو الأضعف الذي شهده الربع الأول والذي بلغ 0.8 في المئة.

العوامل الأكثر أهمية وراء ضعف الناتج المحلي الاجمالي– ومكونات المعلومات التي يتعين أن تتمتع بقدر كبير من الاهتمام– هي مؤشرات على تباطؤ وتراخي أداء الشركات التي لم تعلن فقط عن إنفاق مخيب بالنسبة الى المصانع والمعدات الجديدة في الربع الثاني، بل مضت الى حد الاعلان عن زيادة لافتة في المخزون، وهو ما يمكن ان يشير الى عوامل لا تشجع على إنتاج المستقبل.

ومن المحتمل أن يفضي القلق إزاء الطلب المؤقت في بقية أنحاء العالم الى تأخير خطط العمل في الشركات الأميركية، كما يمكن للقلق أن يشكل التراخي غير المعتاد والمستمر في الإنتاجية عاملاً آخر، ولكن تلك المعايير تبعد كثيراً عن كونها راسخة وقوية. وبعض القطاعات، مثل الطاقة، تعرضت الى ضربات حادة نتيجة الهبوط في الأسعار الدولية لمنتجاتها.

وقد برز اختلافان بارزان ومستمران في الاقتصاد الأميركي من جديد خلال الربع الثاني من هذه السنة: وكان ذلك بين سلوك الشركات وسلوك العائلات، وبين المجازفات الاقتصادية والمالية.

وترتبط قطاعات العائلات والشركات بصورة وثيقة لا سيما في اقتصاد من حجم الاقتصاد الأميركي، فبعد كل شيء توفر الشركات الأميركية أكثرية فرص العمل للأميركيين، كما أن المستهلكين الأميركيين يشكلون شريحة مشترين مهمة للبضائع والخدمات التي تنتجها هذه الشركات. وعلى الرغم من ذلك ينشط الاستهلاك فيما تكافح الاستثمارات وتجهد في ضوء معدلات فائدة متدنية بصورة غير اعتيادية.

مستويات الأرباح القياسية

ويرجع جزء من هذا التباين الى تحقيق الشركات أرباحا قياسية نتيجة هذه العلاقة التكافلية، وبدلاً من توجيه كمية كافية من تلك المكاسب الى النشاط الاقتصادي وتحسين احتمالات المستقبل تكتفي الشركات بالاحتفاظ بالرصيد في البنوك او استخدام المبالغ النقدية في عمليات مالية واعادة شراء أسهم وتوزيعات أرباح بمعدلات أعلى.

ويعتبر هذا أيضاً أحد الأسباب وراء الأداء الجيد الذي حققته أسواق الأسهم الأميركية التي وصلت الى مستويات قياسية في الشهر الماضي. كما يشير ذلك الى وجود شهية للمخاطرة المالية التي تتعارض بشكل صارخ مع ميل الشركات الى القيام بمجازفات تجارية.

وهناك حد للمدة التي يمكن لهذا الاختلاف أن يستمر فيها، وخاصة في الأجل الطويل، كما يوجد خطر أيضاً في أن تتوافق هذه الاتجاهات في نهاية المطاف بطرق غير صحية أو سليمة، وتشمل هذه النتائج المحتملة سلوك العائلات الذي قد يتحول الى مسار سلبي يقلل من نشاط الشركات لا العكس، أو أن يخفض حدود الرغبة في المجازفة المالية التي تهدد الأسواق والتي تقلص بدورها المزيد من الاستثمارات التجارية.

وتتمثل احدى الطرق لاحتواء هذا الخطر في معالجة سبب آخر يكمن وراء النمو المحبط للناتج المحلي الاجمالي في الربع الثاني من هذه السنة: التضارب في دور الانفاق الحكومي.

وبدلاً من الإسهام في ادارة الطلب بطريقة أكثر فعالية وضعت خطوات خفض المخصصات الحكومية درجة أكبر من الأعباء على اجراءات التحفيز النقدي، وبدلاً من التركيز على الاستثمارات الخاصة فإن الانفاق غير الكافي على البنية التحتية يهدد احتمالات النمو في الولايات المتحدة.

ومن شأن وضع برنامج يهدف الى تحسين البنية التحتية تحقيق فوائد تعوض عن التباطؤ الحالي في مستقبل الناتج المحلي الاجمالي، ويمكن تمويل ذلك من خلال معدلات الفائدة المتدنية غير العادية كما يسهم في الرفاهية الاجتماعية وفي انتاجية القطاع الخاص.

وسيؤدي مثل هذا البرنامج دوراً في تقليص التباينات التي أبرزها تقرير الناتج المحلي الاجمالي وأن يشكل أولوية بالنسبة الى السياسيين في الولايات المتحدة. ومن أجل حل هذه القضايا بصورة ملائمة يجب أن يتحول برنامج البنية التحية الى جزء من جهد أكبر يجمع بين مقاربة شاملة لادارة الطلب وبين اصلاحات هيكلية أوسع تهدف الى تحسين النمو.

Mohamed El–Erian

قطاعات العائلات والشركات ترتبط بصورة وثيقة لا سيما في اقتصاد من حجم الاقتصاد الأميركي

رغم أن الاستهلاك يشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد فإن الأرقام القوية لم تكن كافية للتعويض

العوامل الأكثر أهمية وراء ضعف الناتج المحلي الإجمالي هي مؤشرات على تباطؤ أداء الشركات وتراخيها
back to top