الاقتصاد القوي يطرح مشكلة حقيقية بالنسبة الى البنك المركزي، وعبر معظم المقاييس يعيش الاقتصاد الأميركي مرحلة ازدهار وانتعاش، فقد وصل معدل البطالة الى 4.9 في المئة فقط، وفي الفترة ما بين أبريل ويونيو ازدادت الرواتب وشهدت ثقة المستهلك درجة من القوة، كما أن مبيعات المنازل الجديدة بلغت مستوى أعلى من أي وقت مضى منذ سنة 2008. ونفضت معظم الأسواق المالية عنها هواجس القلق الناجمة عن النمو الاقتصادي في الصين وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكان من المتوقع أن يتعافى نمو الربع الثاني من هذا العام بعد بداية غير مشجعة في مطلع السنة، وعلى الرغم من ذلك اختار مجلس الاحتياط الفدرالي في الولايات المتحدة الابقاء على معدلات الفائدة ضمن الحد المستهدف البالغ 0.25 في المئة الى 0.5 في المئة في الاجتماع الخامس له على التوالي. والسؤال الذي يُطرح هو: ما الذي يفسر تردد البنك المركزي الأميركي؟

يتمثل أحد الأجوبة بأن معدل التضخم، وبحسب المستوى المستهدف من مجلس الاحتياط الفدرالي، يبلغ 0.9 في المئة فقط، وهو أدنى كثيراً من هدف البنك المركزي المحدد عند 2 في المئة، ولكن رئيسة مجلس الاحتياط الفدرالي جانيت يلين كانت تجادل منذ وقت طويل بأن ارتفاع السعر سيتحقق نتيجة تأثيرات هبوط أسعار النفط وتبدد قوة الدولار. ثم إن التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة قد وصل الى 1.6 في المئة فقط اضافة الى أن التنافس على القوة العاملة يدفع الأجور نحو الأعلى، وقد بلغ متوسط الزيادة السنوية في الأجر 3.6 في المئة، بحسب مجلس الاحتياط الفدرالي في أتلانتا، وهو المعدل ذاته الذي كان عليه تقريباً في شهر يوليو من عام 2006، ويشير ذلك الى اختفاء الانكماش في الاقتصاد.

Ad

وتكمن مشكلة أكثر حدة أيضاً وراء عدم تحرك مجلس الاحتياط الفدرالي: من الصعب تحديد مدى حقيقة السياسة النقدية الفضفاضة، ويتوقف ذلك على معدلات الفائدة "الطبيعية"، وهو المستوى الذي سيسبب– نظرياً– عدم ارتفاع أو هبوط معدل التضخم، وإذا كانت المعدلات أدنى من ذلك بدرجة كبيرة فإن مجلس الاحتياط الفدرالي سيوفر عوامل تحفيز، ولكن اذا كانت أقل بصورة طفيفة فقط فإن مجلس الاحتياط الفدرالي سيقوم فقط بعملية دفع رقيقة.

ويبدو أن الاحتمال الثاني هو الأكثر ترجيحاً. ويضع تقدير حديث صدر عن مجلس الاحتياط الفدرالي في سان فرانسيسكو المعدلات الطبيعية عند 0.4 في المئة. ومع بلوغ معدل التضخم 0.9 في المئة فإن معدلات اليوم تبدو تحفيزية بصورة متواضعة فقط.

وتكبح عدة عوامل المعدلات الطبيعية، ويتمثل أحدها في نمو الانتاجية الضعيف، وفي فترة التوسع الاقتصادي السابقة خلال حقبة الـ2000 وصل متوسط نمو الانتاجية الى 2.5 في المئة في السنة، ومنذ الأزمة المالية العالمية بلغ المتوسط 0.9 في المئة فقط. ويتمثل سبب آخر في تقدم الناس في السن الذي يفضي الى خفض قدرة الاقتصاد على الانتاج ويردع الاستثمارات. ويقول المتشائمون الاقتصاديون ان هذه العوامل وغيرها تسبب ما يعرف باسم "الركود الدنيوي".

وقد أصبحت جهات تحديد معدلات الفائدة في مجلس الاحتياط الفدرالي أكثر انفتاحاً على هذا الاحتمال– بحسب ديفيد ميريكل من بنك غولدمان ساكس– بعد أن فضلت في السابق وصف التباطؤ في النمو على أنه "رياح معاكسة" فقط. ومنذ شهر ديسمبر الماضي هبط متوسط تقديرات تلك الجهات لنسبة استقرار معدلات الفائدة في الأجل الطويل من 3.5 في المئة الى 3 في المئة. وقد تخلى جيمس بولارد وهو رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي في سانت لويس في الآونة الأخيرة عن موقفه الحاد ليجادل في أن الاقتصاد أصبح الآن في "نظام" فائدة متدنية ويحتمل أن يستمر على هذا النحو. وتتوقع الأسواق أيضاً استمرار معدلات الفائدة المتدنية ( وتصل أرباح سندات الخزينة لعشر سنوات 1.5 في المئة فقط).

كما أن مجلس الاحتياط الفدرالي قال في بيان له بعد الاجتماع ان أخطار الأجل القصير قد "تقلصت" وقوة المستهلك تعني وجود فرصة لرفع معدلات الفائدة في هذه السنة، وتضع الأسواق هذه الفرصة عند 40 في المئة.