حكاية عالم كيمياء

نشر في 07-08-2016
آخر تحديث 07-08-2016 | 00:00
 ناصر الظفيري لن أدخل في النقاش العقيم حول الجنسية التي تنتمي لها جائزة نوبل للكيمياء التي نالها العالم العربي أحمد زويل عام 1999، وأكتفي بأن أشير إلى أن أغلب المصادر الأجنبية التي بحثت فيها وأنا أحضِّر للمقال لا تسلبه مصريته، وإن كانت بقية المصادر تشير إليه (مصري- أميركي) وليس العكس. وفي الحالتين لا يهمني هذا التفكير بشأن شعور زويل تجاه الجنسيتين، وهو شعور لا أعرفه، وما يهمني هو البحث في العالم الذي خرج منه أحمد زويل والعالم الذي دخله.

سأعمل على توسيع العالمين، ليكون الأول العالم العربي، والآخر الغربي. في عام 1946 وُلد في مصر الطفل الذي أصبح فيما بعد أحد أهم علماء الكيمياء. وفي كتابته عن نفسه يقول إن الصدف لعبت دوراً كبيراً في حياته، فمكتب التنسيق بجامعة الإسكندرية هو الذي أدخله تخصص العلوم، ولم يدخل الرغبات الأولى، كالطب والهندسة أو الصيدلة، وهي الرغبات التي يطمح إليها طلبتنا غالبا. وربما لو حدث ذلك لتغيرت حياة الرجل.

أما الصدفة الثانية، والتي كادت تحرمه من عبقريته في الكيمياء، فكانت بعد حرب 1967، والتي وقفت فيها أميركا إلى جانب

إسرائيل، ورفضت الحكومة المصرية يومها ابتعاثه إلى أميركا، وفرضت عليه أن يختار روسيا أو أوروبا الشرقية. لكن الرجل لم يستسلم هذه المرة، وقرر أن يعتمد على نفسه ويذهب إلى أميركا، بعد حصوله على الماجستير، وقبل منحة جامعة بنسلفانيا مع مخصص شهري 300 دولار.

أما الصدفة الأخيرة، فكانت أيضاً بعد حرب 1973، وحينها فكَّر زويل بالعودة إلى مصر والعمل كأستاذ في جامعة الإسكندرية، رغم كل الإحباطات التي واجهها هناك ومازالت عالقة في ذهنه. ولكنه فضَّل البقاء في أميركا لسبب يبدو "غبياً"، فهو يريد العودة بعد أن يجمع مبلغاً يشتري به سيارة أميركية يعود بها إلى مصر.

هذا مقطع من حياة زويل ذكره في كتابه ولم أضف إليه شيئاً. ما يهمنا هنا، هو كيف نستطيع بعد هذا الزمن الطويل من إنشاء الجامعات وإرسال البعثات للغرب أن نتمكن من صناعة عالم يفوز بجائزة نوبل ولا تشاركنا به دولة أخرى. فإسرائيل، مثلاً، لديها أربع جوائز نوبل في الكيمياء لا يشاركها أحد فيها، وثلاثون جائزة أخرى في التخصص نفسه ليهود من دول غربية.

ما نحتاج إليه، هو الجو العلمي الحقيقي، فأحمد زويل ليس نتاج مناخ أكاديمي عربي، إنما مناخ غربي. وفَّر له هذا المناخ جميع الإمكانات، وقدم له مساعدين متميزين ووفرة مالية لاستخدامها في أبحاثه، ربما تعادل ميزانية جامعة من جامعاتنا وأساتذة في مراحل تعليمه أهمهم روبرت شريفر، وهو الحائز جائزة نوبل في الفيزياء عام 1972.

ما حققته الصدف المتتالية، والصدف وحدها، في حياة أحمد زويل لا يدل على أننا نبني علماء ونرعاهم ونخلق لهم فرصاً يبدعون فيها. في مجتمعات تعاني الفساد والسرقات وإدخال الناس في متاهة العيش والجري خلف رغيف العيش والتفكير في تحسين فرص حياتية وكمالية لا يمكن أن ننتظر أسماء علمائنا إلى جوار العباقرة، وكل ما سنفعله هو الضجة التي نحدثها بعد أن يحققوا كل شيء بمفردهم وبعيداً عنا.

back to top