تبدو هذه الأمة بالغة الغرابة والاختلاف. لذلك، تشدنا بالكامل كل نافذة جديدة إلى الحياة داخلها، وUnder the Sun الأحدث بينها وإحدى أفضلها. يُعتبر هذا الفيلم، الذي أخرجه صانع الأفلام الوثائقية الروسي المخضرم فيتالي مانسكي، فريداً من نوعه لأنه يكشف الطبيعة المنظمة والمرسومة بدقة لهذا المجتمع الشديد الصرامة.

يُعتبر Under the Sun أول فيلم حظي، في البداية على الأقل، بتعاون حكومة كوريا الشمالية. لكنه تصدر أخيراً عناوين الأخبار لسبب مختلف: اضطر متحف نيويورك للفن المعاصر إلى الاعتذار بعد أن حذفه أحد مساعدي مدير المتحف من مهرجان للأفلام الوثائقية لأنه خشي التعرض لهجوم محتمل عبر الانترنت قد تنفذه هذه الدولة المارقة.

Ad

في مستهل التصوير، اكتشف مانسكي، كما توقع دوماً، أن كوريا الشمالية تملك أفكاراً أكثر غرابة من أفكاره حتى عن ماهية الأفلام الوثائقية.

أُعطي هذا المخرج نصاً عن فتاة في الثامنة من العمر تُدعى زين-مي نشأت في عائلة مثالية، وهي تستعد للانضمام إلى اتحاد الأطفال الكوريين العريق الذي ينظم يوم النجم اللامع، احتفال وطني يحيي ذكرى مولد الزعيم السابق كيم يونغ إيل.

صحيح أن مانسكي حرص على تصوير كلما ما أراده حراسه، الذين لم يفارقوه مطلقاً، إلا أنه أبقى كاميراه الرقمية مضاءة طوال الوقت، مؤدياً بعض ألعاب الخفة بعدد من البطاقات التذكارية المختلفة كي يبدد شكوك الكوريين الشماليين، الذين تحققوا مما صوره كل يوم.

نتيجة لذلك، نتمكن من رؤية كيفية تنظيم فيلم وثائقي وطني بدقة بالغة تُذهل حتى مَن يشاركون في أعمال تلفزيون الواقع المتلاعب بها في هذا البلد.

علاوة على ذلك، نجح مانسكي في اختيار مصورَيه السينمائيين ألكسندرا إيفانوفا وميخائيل غوروبتشاك. فتمتاز المؤثرات البصرية في Under The Sun بلمسة فنية دائمة: من مشاهد شوارع العاصمة بيونغ يانغ شبه الفارغة، التي تجعل قلبك ينقبض، إلى اللقطات المذهلة التي تظهر فيها زين-مي، مثلاً، مع زميلة لها بزيهما المدرسي المثالي وهما تغنيان معاً برقة فيما تلمعان طاولتهما المدرسية الناصعة البياض.

يُبرز هذا المشهد إحدى المعضلات المثيرة للاهتمام في Under The Sun: تُظهر غرابته أن المشاهد المخطط لها مثيرة للاهتمام بقدر ما لا يُفترض بنا أن نراه لأنها تقدّم لنا لمحة عما تعنيه الحياة اليومية للموطنين في ذلك البلد.

ندرك هذا الواقع عندما نرافق زين-مي إلى صفها ونصغي إلى مدرّستها المتحمسة وهي تخبر هؤلاء الصغار أن "الأميركيين الأوغاداً يهددوننا”، وتقرأ لهم كيف عمد مؤسس كوريا الشمالية المستقبلي كيم إيل سونغ، حين كان شاباً، إلى رمي الصخور الكبيرة على مالكي الأراضي اليابانيين.

نشاهد بعد ذلك زين-مي في احتفال اتحاد الأطفال الضخم ذاك، حيث يساعد قدامى جنود الحرب الكورية بصدورهم المغطاة بالكامل بالأوسمة الصغار في ربط الأوشحة الاحتفالية. يقول أحد هؤلاء المحاربين لاحقاً: "كل الأميركيين جبناء. فلم يفكروا إلا في النجاة والعودة إلى وطنهم”.

من الأوجه المذهلة التي تميّز Under the Sun الأفكار المتناقضة التي يولدها. فمن جهة، تشعر بسحر مشاهدة هذا المكان الفريد حيث يحيّي المواطنون تمثالاً ضخماً من البرونز لكيم إيل سونغ وتتنقل الشاحنات المزودة بمكبرات صوت في الشوارع لتنشر الدعاية عن "بناء أفضل دولة شيوعية في العالم”.

لكن Under the Sun يذكّرنا من جهة أخرى بأن الكوريين الشماليين، رغم مجتمعهم الشديد الاختلاف، ليسوا كائنات فضائية بل أناس مثلنا يسعون للحصول على أفضل حياة ممكنة. ففي المشهد الأخير، نرى دمعة صغيرة على وجه الفتاة. وما من أمر يفوق هذه الدمعة الصغيرة إنسانية.