تمكن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، من حشد ملايين الأتراك من مؤيديه ومعارضيه في آخر تظاهرة منددة بمحاولة الانقلاب التي وقعت منتصف يوليو الماضي، واستعرض قوته في مواجهة انتقادات غربية لعمليات تطهير واعتقالات واسعة النطاق.

وشارك نحو 3.5 ملايين شخص في تجمع حاشد بساحة ينيكابي على شاطئ بحر مرمرة باسطنبول المعقل السياسي لإردوغان، في ختام ثلاثة أسابيع من التعبئة الشعبية في أنحاء متفرقة من البلاد، وتم نقل وقائعه على شاشات عملاقة في المحافظات التركية الثمانين.

Ad

ورفع التجمع الذي دعا له الرئيس التركي وحكومته وأحزاب المعارضة شعار "التجمع من أجل الديمقراطية والشهداء" وسط إجراءات أمنية مشددة في المدينة التي شهدت هجمات عدة أخيراً.

وتقدم إردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلديريم وكبار قادة المعارضة تظاهرة اسطنبول، حيث رفع العلم التركي حصرا، ولم يسمح برفع أي أعلام للأحزاب السياسية التي لبت دعوة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم.

ومثل التجمع الحاشد خاتمة التظاهرات اليومية منذ الانقلاب الذي قام به جزء من الجيش وهز السلطات على مدى ساعات.

وأدى الانقلاب الفاشل إلى مقتل 273 شخصا، وتلته حملة تطهير أسفرت عن طرد الآلاف من الجيش والقضاء والتعليم والخدمة المدنية.

وفرضت الحكومة حالة الطوارئ مدة ثلاثة أشهر، وجمدت العمل ببنود المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وشنت حملة اعتقالات وتحقيقات واسعة النطاق، وتقول تقارير إنها شملت اعتقال أكثر من 18 ألف شخص.

وعلى الرغم من أن الكثير من الأتراك يرغبون في دعم الديمقراطية، فإن ثمة مخاوف لدى البعض بشأن الإجراءات التي اتخذت ضد المتهمين بالضلوع في محاولة الانقلاب.

دعوة وتردد

ودعي حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، وحزب العمل القومي اليميني إلى التجمع الكبير، ولم يتم توجيه الدعوة لـ"حزب الشعب الديمقراطي" الموالي للأكراد، وهو ثالث أكبر أحزاب البرلمان، نظرا لأن الرئيس إردوغان يتهم الحزب بأنه على صلة بحزب العمال الكردستاني المحظور.

وقال الرئيس التركي، أمس الأول، عبر التلفزيون إن "تجمع ينيكابي سيعزز وحدتنا"، معبرا عن "سروره لوجود القادة السياسيين" للمعارضة. ومنذ البداية، عارضت جميع الأحزاب في البرلمان محاولة الانقلاب.

وتردد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو في الانضمام إلى التجمع في اسطنبول، لكنه قرر بعد ذلك المشاركة فيه بعدما تلقى "سيلا" من الاتصالات الهاتفية من قبل شخصيات بينها رئيس الوزراء، من أجل التعبير عن الوحدة السياسية.

من جهته، أعاد إردوغان للمرة الأولى نشر "تغريدة" لكليتشدار أوغلو يؤكد فيها "سأقف إلى جانب تركيا ضد الخونة".

تهديد نمساوي

في غضون ذلك، تنامت دعوات أوروبية لوقف مفاوضات انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي، وهدد وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس بتعطيل توسيع نطاق المحادثات مع تركيا بشأن انضمامها للاتحاد، الأمر الذي قد يخرب اتفاقا مهما بشأن المهاجرين بين بروكسل وأنقرة.

وتهدد تصريحات كورتس، التي نشرت أمس، بتصعيد خلاف بين النمسا وتركيا بدأ الأسبوع الماضي عندما اقترح المستشار النمساوي كريستيان كيرن إنهاء محادثات انضمام تركيا للاتحاد تماما، بسبب مشكلاتها الديمقراطية والاقتصادية.

كما دعا رئيس حزب اليسار الألماني المعارض برند ريكسينجر لوقف عاجل لمفاوضات انضمام تركيا للاتحاد، وقال أمس إن "الرئيس التركي يهدم الديمقراطية حاليا"، معتبرا أن إردوغان يقوم بـ"انقلاب مدني". وشدد على ضرورة إنهاء اتفاق المهاجرين.

ولم تحرز محادثات انضمام تركيا سوى تقدم ضئيل منذ انطلقت عام 2005 وتضمن فصل واحد 35 مجالا يتعين على تركيا أن تغير سياساتها بشأنها تطبيقا لقواعد الاتحاد.

وكان وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير قال إن محادثات الانضمام "تكاد تكون متوقفة"، لكنه رفض دعوات لوقفها تماما.

«الخضر» وغولن

في سياق آخر، طالب زعيم حزب الخضر الألماني جيم أوزديمير حركة الداعية فتح الله غولن بتوضيح معلومات عن الأنشطة التي تقوم بها المنظمات والاتحادات التابعة لها في ألمانيا.

وقال أوزديمير: "إنه يتعين على حركة غولن أن تصدر بنفسها توضيحا لهويتها بالتحديد، إذا ما كانت جماعة إسلامية ـ محافظة أو شبكة توظيف مهنية أو حركة إسلامية سياسية وأخيرا راديكالية".

واتهمت أنقرة غولن المقيم في الولايات المتحدة بتدبير المحاولة الانقلابية التي فشلت بعدما خرج مواطنون إلى الشوارع لصد عناصر الجيش المنقلبة، وطالبت واشنطن بتسليمه.

اشتباكات واعتقالات

إلى ذلك، أعلنت مصادر أمنية تركية مقتل جندي وإصابة 4 آخرين في اشتباكات اعقبت عملية شنتها قوات الجيش، أمس، استهدفت مخابئ لمنظمة حزب العمال الكردستاني المحظورة في مدينة سرت جنوب شرقي البلاد.

من جهة أخرى، ألقت قوات الأمن أمس القبض على 28 شخصا في مدينة أضنة جنوبي البلاد للاشتباه في صلتهم بما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

ونقلت وكالة "أناضول" التركية عن مديرية الأمن في أضنة قولها إن 500 شرطي من مديرية مكافحة الإرهاب شاركوا في عمليات مداهمة متزامنة لعدة مواقع في المدينة.