أنصار العامية قالوا إنها تضع القارئ وسط الأحداث وتخلق نوعاً من التفاعل مع الشخوص والجو العام للرواية أو القصة، ما يعني عدم انفصاله عن واقعه عندما يدخل في الرواية لينهل منها، شريطة أن يقتصر هذا الاستخدام على الحوار الذي يتضمنه العمل الفني فقط.

أما أنصار الفصحى فأكدوا أن «عامية الرواية» واستخدام ألفاظ سوقية قد يؤديان في النهاية إلى اضمحلال هذا الجنس الأدبي والوصول به إلى درجة «الانحطاط»، ضاربين المثل برواية «استخدام الحياة» لأحمد ناجي التي ضمنها ألفاظاً خادشة للحياء أثارت ضده انتقادات ودعاوى قضائية أوصلته إلى الحبس بتهمة خدش الحياء.

Ad

أكثر واقعية

الناقد الأدبي الدكتور صلاح فضل أوضح لـ«الجريدة» أن إشكالية إدخال العامية في الرواية أو القصة باتت أمراً محسوماً منذ سبعينيات القرن الماضي، فثمة شبه إجماع على جواز استخدام العامية في الحوار الذي يتضمنه السرد، بوصفه أكثر واقعية وملامسة للقارئ.

وأشار أستاذ النقد العربي بكلية الآداب جامعة عين شمس في مصر، إلى أن «استخدام العامية لا يقلل من جودة القصة أو الرواية، بل يكون، في كثير من الأحيان، إثراءً لها من النواحي الفنية والجمالية، شرط أن يقتصر ذلك على الحوار، أما ما دون ذلك فاستخدام الفصحى يعطي قيمة أدبية للعمل ويقيه شر الابتذال».

ضرورة فنية

الناقد الأدبي الدكتور أحمد مجاهد، رئيس سابق للهيئة العامة المصرية للكتاب، اعتبر أن استخدام ألفاظ خادشة للحياء ليس توجهاً جديداً في الرواية والقصة، وهو موجود عند روائيين عالميين كبار، لكن العبرة والمقياس أن تكون هذه الألفاظ ضرورية في التوظيف الفني داخل بنية الرواية.

وأوضح أن «هذا التوجه لم يكن منتشراً في القصة والرواية العربية لوجود محاذير في المجتمع ولدى المتلقي ووجدانه، لا سيما انه غير مستعد لتقبل مثل هذه السياقات الفنية الجديدة، لذلك لم نجد رواية مثل «مدار الجدي» لهنري ميلر وغيره، على سبيل المثال».

أضاف أن المشكلة الوحيدة في هذا التيار استخدام مثل هذه الألفاظ أو المشاهد الجريئة للشهرة والدعاية الفنية، «هنا تكمن الخطورة، فعندما لا تستدعي ضرورة فنية هذا اللفظ، يكون ذلك إقحاماً لا داعي له، ويندرج غالباً ضمن أمل الكاتب أن يمنح عمله فرصة للترجمة والشهرة بوصفه خارجا عن المألوف الأدبي».

تابع: «لا يصح أن يُحكم على الأدب إلا بمقاييس أدبية، وليس بمعيار أخلاقي، فمن الممكن أن يتكلم عمل أدبي عن مضمون أخلاقي رائع جداً، لكنه مكتوب بطريقة غير فنية فيكون عملا سيئاً، وقد يتضمن عمل بعض الألفاظ الجريئة لكنه يحمل مضمونا أخلاقياً عظيماً وكتب بشكل فني جيد، فيكون جيداً».

طالب النقاد أن يتحلوا بالأمانة الفنية، ويمارسوا دورهم، «ثمة روايات ضعيفة المستوى تُواجَه بتيار أو بموقف أخلاقي وغير نقدي، فيظهر أن هذا التيار ضد حرية الفكر والإبداع، وبالتالي ينطلق النقاد دفاعاً عن العمل وعن هذه الحرية، في حين أنه لو لم يُتخذ ضده ردة فعل متعسفة، كان من الممكن أن يكتب عنه النقاد أنه متوسط أو متواضع القيمة، ليأخذ مكانه الطبيعي في تاريخ الأدب.

التعبير مسؤولية

«حرية الرأي والتعبير مسؤولية فنية واجتماعية بالدرجة الأولى، وإذا لم نحترم هذه المسؤولية فقد خرجنا عن إطار الفن تماماً»، برأي الشاعر أحمد سويلم مشيراً إلى أنه «بدل تضمين النصوص ألفاظا خادشة لحياء القارئ، كان من الأولى أن يعبر كاتبها بأسلوب فني جمالي لا يخرج عن إطار الجمال الفني الذي ننشده، أما إذا شعرنا بهذا الابتذال والانحطاط فنحن خارجون عن إطار العمل الفني».

أضاف أن حرية الكاتب تتوقف عند حدود الجَور على ذوق المتلقي، وهذه هي الحرية المسؤولة، أما الحرية غير المسؤولة التي تبتذل الأسلوب والوصف، فهي موجة تحقّر مثلا العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة، وتحط من قدسيتها، وبالتالي قد يتم تشويه كل شيء جميل في حياتنا، عن طريق تضمين الأعمال الأدبية ألفاظاً تخدش الحياء العام.

نجيب محفوظ ويوسف إدريس

الناقد الدكتور محمد أبو الفضل بدران، أستاذ الأدب والنقد بجامعة جنوب الوادي، رأى أن العامية قريبة، بشكل كبير، من الفصحى في الرواية، مشيراً إلى أنه «لو رجعنا إلى جذور الكلمات في العامية المصرية نجدها قريبة جدا من الفصحى، وإذا كانت ثمة ضرورة فنية لاستخدامها فلا مانع من تضمينها في الرواية، ولدينا مثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس، فهما استخدما ألفاظاً كاشفة وجريئة في رواياتهما، كذلك كتب التراث مليئة بها».

أضاف: «ربما يلجأ الكاتب إلى استخدام العامية لتكون أكثر تعبيراً عن مستوى ثقافة الشخصية وأقرب إلى مستوى ثقافة المتلقي، ثم يضع بعض الكتاب أمام أعينهم أثناء الكتابة السينما والمسرح، وبالتالي يعرفون أن الفصحى تنفّر المنتجين والمخرجين من تحويل الرواية إلى عمل مسرحي أو سينمائي، كونهم ينزعون نحو الأعمال الأقرب إلى الشارع».

حول استخدام ألفاظ فاحشة في الرواية والقصة، تابع: «إذا كانت ثمة ضرورة فنية لاستخدامها فلا مانع، أما إذا كانت من أجل الهبوط بالمستوى الفني أو المغايرة أو المخالفة أو الشهرة، فهذا أمر يضر بالعمل الأدبي فنياً في المقام الأول، وقد يخرج من دائرة الأدب إلى دائرة «البورنو»».

لغة الشارع

أشار الروائي ناصر عراق أن « بعض الكتاب من الشباب يستخدمون لغة الشارع في الحوار بين الشخصيات ويضمنونها ألفاظا سوقيّة، بل في بعض الأحيان يستخدمون ألفاظا «خادشة للحياء»، ما يسهل عليهم التواصل مع القراء العاديين حديثي العهد بالقراءة، لكن لن يؤثروا فيهم طويلا».

يضيف: « تظهر «موضات» فجأة في عالم الأدب وتملأ الدنيا ضجيجاً، ثم تختفي ﻷن أصحابها لا يتمتعون بفرادة الإبداع وعمق الرؤية، وقد تفنن روائيون في هذا النوع من الكتابة مستخدمين الألفاظ السوقية والخادشة للحياء في أعمالهم، إذ كانت موضة طاغية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، لكن رواياتهم لم تترك أثرا في دنيا الإبداع، وضاعت في خضم الحياة، لافتقارهم إلى مهارات مطلوبة تخولهم الانضمام إلى قائمة المبدعين الموهوبين».