اسكتلندا جنة الله الأرضية (2-2)

نشر في 08-08-2016
آخر تحديث 08-08-2016 | 00:00
 فوزية شويش السالم الهاي لاندز هي جنة حقيقية بمعنى الكلمة، جمال أسطوري كأنه حلم سينمائي عبر شاشات بانورامية لا محدودة بحدود طول ولا عرض، فضاءات مترامية لا تحدها العين، سهول عبر سهول ببحيرات ليس لها نهاية متصلة بأنهار وجداول ومياه لا تنقطع، لا تدري العين من أين مسارها ولا مجيئها، سواء كانت عن يمين الطريق أو عن شماله، فالطريق المشقوق في وسط هذه السهول والوديان الخضراء وسلاسل الجبال المتكئة على أكتاف بعضها البعض برخاء الراحة والكسل وسط نعيم الصمت واستكانة الضجيج والصخب، وشساعة هذا الفضاء المحقون بهواء نقي مقطر من روح هذه الجنان المسماة بـ"الهاي لاندز" أي الأراضي المرتفعة وفيها الوادي الجميل المسمى "جلين أفريك"، وهو على مقربة من البحيرة الأسطورية "لوخ نيس"، وفيه تستلقي آخر أثر متبقٍ لأشجار الغابات المتوحشة التي كانت تغطي كل بقاع الهاي لاندز، والخليط الممتد من البحيرات والجبال والجروف التي تنتشر على سطوح مياه بحيراتها أزهار "الليلز" كقناديل تلون وجه الماء.

وإن كان الحظ كبيرا ستشاهد في معزل الجرف الهادئ بعض الثديات وحيوان السمور والنسر الذهبي والسنجاب الأحمر، لونه أقرب إلى اللون البرتقالي، وكنت من هؤلاء المحظوظين حين رأيته يعبر ما بين الحشائش المطوقة للبحيرة، وعلى الهضاب ممكن مشاهدة زهور الباين الرقيقة النادرة وأيضا اليعاسيب، هذا إلى جانب مشاهدة فصيلة من الثيران الغريبة التي يغطي شعرها الطويل كامل وجهها ويطل من خارج الشعر قرون طويلة ملتوية فوق رؤوسها مهمتها حفر الثلوج لاستخراج النباتات، وهناك نوعان من هذه الثيران، نوع يكسوها شعر أسود، ونوع شعره برتقالي.

شلال "فويرز" مصنف كواحد من أهم عشرة شلالات في اسكتلندا، فهو ينحدر من 165 قدما، ويصب على صخرة جورج الضخمة، ويكمل مساره لجبال "موندليث" حتى ينتهي في بحيرة "ليخ نيس"، ويحمل الضباب الهاطل على الجزء الأسفل من الشلال رائحة المسك التي يتركها الماعز البري، وهو صنف من الأيائل كعلامات للتناسل على الأشنات والطحالب، ما يضيف حالة اجتذاب وإغراء سحرية.

وتوجد عدة بيوت وقلاع أثرية، لعل أجملها "قلعة اركهارت" جمالها من وجهة نظري آتٍ من سحر أطلالها، فخرابها تكمن فيه روعة الصورة الساكنة بجلال الصمت المهيب المطوق بعظمة بحيرة لا مثيل لها، الذي محي ماضيها التراجيدي المكسو بالدماء والعنف.

ويجيء الآن دور بحيرة "ليخ نيس"، وليخ تعني بحيرة، ونيس تعني الوحش الخرافي الساكن في أعماقها، والذي يجلب السياح من كل أطراف العالم لزيارته، وإن كان ربما ليس أكثر من خرافة أُحسن استغلالها تجاريا خير استغلال بكل أنواع المنتجات، وإلى جانب الوحش هناك أنواع متعددة من الأسماك، وعلى رأسها السالمون الفاخر، إلى جانب مختلف أنواع الطيور، فهذه البحيرة ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في بريطانيا.

البوتانيك جاردن في أدنبرة تعتبر من أجمل وأقدم حدائق البوتانيك في العالم، أُسست في بدايتها كمركز علمي لدراسة النباتات عام 1670، ثم توسعت بعد ذلك وتنقلت في عدة أماكن حتى استقرت في موقعها هذا المميز، ثم تعددت هذه الحدائق وانتشرت في اسكتلندا، لكن تبقى هذه الحديقة الأهم فيها والأكبر، فهي الثانية في حجمها بعد حديقة أكسفورد۔

تحتوي حديقة البوتانيك على 273.00 نوع من النباتات، منها 13.300 من مختلف أنحاء العالم، وهناك أشجار مزروعة على جانب التلة الصينية، وحينما اندثرت هذه الأشجار من الصين، بفعل البركان والحريق، طلبت الصين من اسكتلندا إرسال شتلات من أشجارها لإعادة زراعتها.

هذه الحديقة تمكن السياح للتعرف على جميع أنواع النباتات في العالم، وخاصة تلك المناطق التي يصعب زيارتها مثل "غابة الرين فورست" في الأمازون، والنباتات الألبية، ونباتات المناطق الاستوائية الحارة، ونباتات الطين، ونباتات الجبال والأحجار والرطوبة، كما توجد فيها حديقة للأخشاب والحائط، وحديقة للنباتات الطبية الاسكتلندية.

أجمل الحدائق فيها هي التروبيكال جاردن المبهرة، ففيها زهور الليلي المائية العملاقة التي يزيد قطرها على المتر، بألوانها الباستيل التي تذكر برسومات "مانيه" العظيمة، هذا إلى جانب الأنواع المختلفة من الأوركيدات، بكل الأحجام والأصناف، مع وجود أنواع من النخيل التروبيكال الذي لم أرَ مثله من قبل.

هذه الحديقة قِبلة للسياح من كل أنحاء العالم، إلى جانب كونها مركزا تعليميا ترفيهيا ثقافيا للتسلية وإقامة الاحتفالات.

back to top