عنوان الفيلم «اشتباك» لكنه تسبب في «انقسام» بين النقاد والمثقفين والسينمائيين، يُعيد إلى الأذهان الانقسام الذي شهدته مصر، عقب انهيار نظام «مبارك»، وزادت حدته عقب الإطاحة بنظام «مرسي»، بين معسكر الليبراليين واليساريين وجماعات الإسلام السياسي والراديكاليين، والمثير أن انقسام الحقل السينمائي بدأ قبل طرح «اشتباك» في صالات العرض التجارية، وتحديداً فور انتشار التقرير التلفزيوني الذي بثه برنامج «أنا مصر»، في أعقاب عرض الفيلم في افتتاح قسم «نظرة ما» بالدورة التاسعة والستين لمهرجان كان السينمائي، وهاجم محمد دياب مخرج الفيلم، واصفاً إياه بأنه «فوضوي» و{ناشط السبوبة»، الذي يتعمد في أفلامه تشويه صورة مصر، وهو ما أدى إلى اتهام فريق إعداد البرنامج، ومقدمته، بالتورط في بث تقرير أمني، كما أعلنت نقابة السينمائيين، في بيان لها، دعمها لفريق عمل «اشتباك»، وحقه في العمل والتعبير الإبداعي الحر، وأنهت بقولها: {نربأ أن يستخدم الإعلام كوسيلة هدم للمصداقية مخالفاً للدستور المصري، ونعلن التضامن والمساندة لزملائنا الذين رفعوا اسم بلادنا عالياً بصناعة فيلم مصري يستطيع المنافسة في المحافل الدولية!}

لم تنته معركة {اشتباك} باختيار الفيلم ضمن أهم عشرة أفلام في مهرجان كان السينمائي، ووصف صحف العالم بأنه {جوهرة كان المدفونة}، وإنما بدأت مع نزول الفيلم إلى صالات العرض التجارية، ففي حين قالت تقارير صحافية، وإلكترونية، اعتماداً على تأكيد الشركة الموزعة للفيلم في مصر، إن الإيرادات تجاوزت، في أول يومي عرض، حاجز المليون جنيه، ما دعا أصحاب الصالات إلى فتح قاعات إضافية لاستيعاب جمهور يوم العرض الثالث، ليصل العدد إلى 47 شاشة في القاهرة والإسكندرية والمحافظات، بادر عدد غير قليل من الكتاب إلى التشكيك في حقيقة الإيرادات المعلنة، وسجلوا شهادات متفرقة تفيد أن الجمهور انفض عن الفيلم، وهو ما برره المخرج بأن ثمة مؤامرة يتعرض لها الفيلم، وأيضاً شيئاً من المحاربة والتضييق، واستنكر القرار المفاجئ للموزع بالانسحاب قبل يومين من عرض الفيلم، وفي السياق ذاته استنكر كثيرون قيام {دياب} بتوظيف التعليق الذي سطره الممثل الأميركي توم هانكس، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي {فيسبوك}، وقال فيه: {إن كان لديك فرصة لمشاهدة {اشتباك} لا تفوتها، فأنت ببساطة عليك القيام بذلك، نعم الفيلم سوف يحطم قلوبكم، لكنه سينيركم جميعاً من الداخل}، وهو ما أثار ريبة، وحفيظة أحدهم فكتب يقول : {لا أعلم إن كان هذا الكلام صدقًا أو كذبًا أم أنها مجرد تصريحات يقذفها محمد دياب على {فيسبوك} ووسائل الإعلام}، وزعم آخر أن {هانكس} تم التغرير به!

Ad

الانقسام، بل التناقض، بلغ مداه باتهام الفيلم بأنه {متاجرة بثورة يناير} و{إهانة للأرواح التي أزهقت دفاعاً عن الحرية} كما وصفه كاتب صحافي بأنه {مظاهرة سياسية وليس فناً سينمائياً}، واتهم رؤيته الفكرية بـ {الميوعة والمياصة التي تصل إلى درجة الخنوثة الفكرية}، وأنه {فيلم ممل فنياً، فقير بصرياً ومائع فكرياً}، وزاد بقوله: {فيلم بطعم الدعاة الكاجوال}، في إشارة إلى مشاركة الداعية الديني معز مسعود في إنتاجه، في حين اتهم آخر المخرج بأنه {مغرور} و{مبتدئ}، أبدى عدد من النقاد حماستهم الواضحة للفيلم مؤكدين أنه {سينما حقيقية}، ونوه الناقد سمير فريد بـ {مولد مخرج مصري كبير} فيما كتب الناقد جاي وايسبرغ في مجلة {فارايتي} Variety أن الفيلم {نقل حالة من الهيستيريا بلغة سينمائية بارعة استخدم فيها مزيجاً من الفوضى والوحشية، مع بعض الإنسانية}، ووصف تقرير موقع { هوليوود ريبورتر} Reporter Hollywood الفيلم بأنه {أحد كنوز المهرجان الخفية}، وذكرت الناقدة ديبورا يانج أنه {سيكون واحداً من أهم المواد البصرية التي توثق الوضع في مصر الحديثة}، غير أن هذا لم يحل دون ظهور تناقض من نوع آخر، ففي حين رأى البعض أنه {فيلم سياسي بالمقام الأول} قالت نيللي كريم بطلته إنه {فيلم إنساني واجتماعي وليس سياسيا مثلما يراه البعض} بينما أكد هاني عادل أن الفيلم {له بُعد إنساني، ومحايد، ولا ينتمي لأي فصيل سياسي}!

المفارقة أن فيلم {اشتباك}، الذي تدور أحداثه بالكامل داخل عربة ترحيلات تابعة للشرطة المصرية، ضمت كل الأطياف والاتجاهات السياسية في المجتمع المصري، وتقوم رسالته على التحذير من خطورة الانقسام، والإقصاء، على المجتمع، ومستقبل الوطن، أصبح سبباً رئيساً في الانقسام الذي اجتاح الساحة الثقافية، بين مؤيد ومناهض للفيلم، وصخب وتراشق متبادل للاتهامات، تماماً مثلما حدث في العربة، التي اكتظت بالمؤيدين والمعارضين، وشهدت العديد من المشاحنات، والصدامات، والخلافات، لكن في حين يثمن الفيلم الحوار والتقارب بين الأطياف المختلفة، ويدعو إلى التكاتف، ونبذ الإقصاء، كحل لمواجهة الصعاب، والخروج من النفق المظلم، لا يبدو في الأفق أنه الحل الأمثل الذي سيكون محل وئام واتفاق بين طوائف المجتمع الثقافي.. ولنا عودة!