كان يمكن لجلسة استجواب وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي في البرلمان الأسبوع الماضي، أن تبقى مجرد تراشق اتهامات بالفساد المالي مع فريق رئيس البرلمان سليم الجبوري، فهي تبادل مزاعم «فوق العادة» يمكن نسيانها وسط الأحداث الجسيمة المتواصلة، لكن دخول رئيس الحكومة حيدر العبادي على الخط راح يعقد الصراع الذي بدأ للوهلة الأولى محصوراً داخل الكتلة السنية، أي جناح الجبوري («الحزب الإسلامي»، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في العراق)، وجناح عائلة النجيفي الموصلية التي تقف إلى جانب وزير الدفاع «الموصلي» رغم مشاكل لا تخفى بينهما.

وعلى نحوٍ خرَق التقاليد القضائية، أصدر العبادي أمراً بمنع كل من ورد اسمه في اتهامات وزير الدفاع ضد رئيس البرلمان وعدة نواب آخرين سنة وشيعة، بينهم مقربون من رئيس الوزراء السابق، وذلك أثناء جلسة البرلمان التي استمرت أربع ساعات، مطلع الشهر الحالي.

Ad

وبذلك سجل العراق أول حالة منع سفر (أكدها القضاء لاحقاً) لرئيس إحدى السلطات الثلاث، في اختبار قاس للبرلمان الذي لا يعرف أحد فيه كيف ستنتهي هذه الأزمة، بعد سلسلة ضربات تلقاها البرلمان ابتداءً من «انقلاب النواب المعتصمين»، وليس انتهاءً باقتحام مبنى السلطة التشريعية من جمهور التيار الصدري.

وتنشغل بغداد بمستويين من الاستفهامات، الأول يتعلق بقواعد العمل التي جرى خرقها، إذ اعتادت الطبقة السياسية أن تتعاون في التستر على الفساد، وهو «نموذج التعاون الوحيد» الذي نجح فيه أمراء الطوائف، غير أن وزير الدفاع كما يبدو، اضطر إلى خرقه حين شعر بأنه سيصبح كبش فداء ويتعرض لسحب الثقة، فاتحاً الطريق أمام مسؤولين آخرين قد يلجأون إلى تصميم فضائح مشابهة، حماية لأنفسهم، وهو ما يثير أسئلة بشأن مستقبل الفضائح المتوقعة مع اقتراب معارك سياسية كبرى، سواء فيما يتعلق بإعادة بناء الإدارة في مناطق شاسعة تحررت من «داعش»، أو فيما يتصل باقتراع المجالس المحلية المهم والمقرر في الربيع المقبل.

أما السؤال الآخر فيتعلق بكيفية انتهاء هذه الأزمة، إذ إن فريق رئيس البرلمان وحلفاءه لن يتوقفوا عند حد، ولديهم سلسلة اتهامات خطيرة يمكن أن تمس الوزير ورئيس الوزراء، وأي طرف سياسي قد يدعم العبيدي.

وفي خطوة أولية لصناعة هجوم مضاد ضد العبيدي الذي استمتع بيومين من الحماس والشعبية الآخذة في الاتساع بين الجمهور، قام فريق الجبوري بالإفراج عن تسجيل لجلسة استجواب سرية خضع لها وزير الدفاع قامت بها نائبة حليفة للمالكي قبل سنة، وفيها تفاصيل توضح حجم الشبهات التي تدور حول الوزارة الأكثر ثراء بين مؤسسات الدولة، لجهة صفقات التسليح والإنشاءات ونفقات الحرب.

وتتعقد خريطة الصراع في هذه الأزمة، إذ لا تقتصر على أطراف سنية (رغم أن نواتها خلافات البيت السني)، بل يتصدرها مؤيدون للمالكي أيضا مثل النائبتين الشيعيتين حنان الفتلاوي وعالية نصيف، بينما يقف في الطرف الآخر مؤيدون لعائلة النجيفي «السنية»، وأنصارٌ لحيدر العبادي «الشيعي»، وهو ما يقول الخبراء إنه مؤشر على أن «شبكة العمولات والفساد» تتداخل بقوانين مغايرة، تختلف عن الخريطة المعروفة للتحالفات النيابية والطائفية. أما ما جعل التوازن بين الخريطتين يتعرض للاختلال فهو انهيار أسعار النفط الذي أنتج تراجعاً حاداً في المال يصل إلى نصف «الريع» الذي اعتاده الزعماء طوال سنوات، بينما يقفون حائرين اليوم في كيفية تهدئة جماهير غاضبة تتحول تدريجياً إلى «متفرجين مثيرين لشغب خطير».