أليْس مستغرباً ولا يُعبر عن واقع الحال وحقائق الأمور أنْ تسمى مفاوضات الكويت بين الشرعية اليمنية وتحالف علي عبدالله صالح وميليشيات الحوثيين: "المشاورات"؟! فالتشاور في العادة هو بين ممثلي مجموعة واحدة تشكل طرفاً واحداً فيه وجهات نظر متعددة يجري التباحث بشأنها ليتم الاتفاق على وجهة نظر واحدة، وإنْ بالأكثرية المُرجِّحة. والحقيقة أنَّ هذا لم يكن هو واقع المفاوضات "الماراثونية" التي استضافتها دولة الكويت، والتي لم تنجز إلا بياناً إنشائياً جميلاً أصدره المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وهو يعرف أن تنفيذ ما تضمنه غير ممكن، وأنَّ دونه خرط القتاد!

إنَّ ما جرى خلال هذه المدة الطويلة لم يكن لا مشاورات ولا تبادل وجهات نظر بطريقة ودية وأخوية بين أصحاب آراء ليست متناقضة وإنما متعارضة وفي طرف واحد وجهةٍ واحدةٍ، بل كان بين أضداد وأعداء؛ بينما كانوا يتبادلون الكلمات التفاوضية كانت قواتهم على أرض المواجهة الفعلية تخوض معارك ضارية بالصواريخ وبالدروع وبالمدافع، وأيضاً بالمتفجرات التي دأب تحالف علي عبدالله صالح مع الحوثيين التابع لإيران تبعيةً لا يقبل بها إلاّ ذليل وخسيس على استخدامها لتمزيق أجساد الأطفال في عدن وباقي المدن الجنوبية.

Ad

ولعل ما يجب قوله في هذا المجال أنه ما كان على ولد الشيخ أحمد أن يرشَّ "سكراً على الموت"، وألا يصدر بياناً منمقاً لا يعكس حقائق الأمور، فـ"المشاورات" مع أنها استغرقت كل هذه الفترة الطويلة لم تحقق ولو مجرد إنجازٍ واحدٍ صغير يمكن البناء عليه في المستقبل القريب أو البعيد، بل إنَّ هذا المبعوث الدولي نفسه يعرف أنه تجنب قول الحقيقة، والحقيقة أن "المتشاورين" قد عادوا من حيث أتوا وهم أكثر اختلافاً وأكثر قناعة بأن أي مفاوضات مقبلة يجب أن يسبقها خلل في موازين القوى العسكرية على الأرض من المفترض أن يكون في مصلحة الطرف الشرعي الذي يدافع عن السيادة اليمنية المستهدفة من إيران التي غدت تتدخل تدخلاً سافراً في شؤون اليمن والعديد من الدول العربية الأخرى.

كان على ولد الشيخ أحمد بدل كل هذا الكلام المعسول الذي ضمنه بيانه الختامي أن يكون صادقاً مع نفسه ومع اليمنيين ومع العرب وكل من يهمهم هذا الأمر، وقبل ذلك مع الكويت التي استضافت هذه "المشاورات"، التي كان من الأفضل لو أنها سميت "مفاوضات" تشكل استمراراً وامتداداً للحرب الضروس المحتدمة في اليمن، فالحقيقة أن هذه هي الحقيقة، وهي حقيقة مرة، ولقد كان منتظراً أن يتحلّى المبعوث الدولي ولو بقليل من الجرأة والشجاعة والانسجام مع واقع الحال، ويعلن، وإنْ مواربةً، أنَّ تحالف الحوثيين مع علي عبدالله صالح الذي هو تحالف إيراني من الألف إلى الياء هو المسؤول عن هذه النهاية البائسة التي انتهى إليها "المتشاورون"!

وهكذا فإن السؤال الذي كان على إسماعيل ولد الشيخ أحمد أن يطرحه على نفسه، قبل أن يدلي ببيانه هذا الذي بيْنَ ما تضمنه وواقع الحال ألوف الفراسخ، هو: أليس من الأفضل أن يكون التوجه نحو الجهة المعنية الفعلية التي هي طهران، فهي صاحبة العقْد والحل، والقرار على الجانب الآخر، جانب علي عبدالله صالح وحلفائه، هو قرارها؟!

ألم يكن الأفضل لو أن المبعوث الدولي أعلن بعد فشل هذه "المشاورات" أنَّ إيران هي الخصم الحقيقي، وأن هؤلاء الذين "تشاورت" الشرعية اليمنية معهم هم مجرد بيادق صغيرة على رقعة الشطرنج يحركها الإيرانيون كما يشاؤون؟!