في نهاية عرض مسرحي موسيقي حضرتُه الأسبوع الماضي مع ابنتي في لندن، وكما في كل مرة نحضر فيها عرضاً أجنبياً؛ سألتني: "لماذا لا يوجد عندنا في الكويت مسرح كهذا؟".أعرف أن سؤالها بدهي، وأعرف أنها تتمنى أن يكون في بلدها مسرح متطور قادر على أن يقدم متعة لافتة. وأخيراً أشعر بحسرتها في ثنايا السؤال.
تكلمنا معا؛ أخبرتها بأن المسرح عمل جماعي، فهو يبدأ بمؤلف المسرحية، مروراً بقراءات لورشة مسرحية تضيف وتحذف وتعدّل في مشاهد المسرحية، ثم يبدأ فريق عمل للإعداد للمسرحية، بدءاً بالمنتج وميزانية المسرحية، مروراً بالمخرج ومساعديه، وفريق الإضاءة، وفريق الموسيقى، وفريق الديكور، وفريق الرقص وفريق الحركة، وأخيراً فريق الدعاية للمسرحية وتسويقها.ظلت ابنتي تستمع إليَّ، فأكملت أحدثها: كل الاستعدادات السابقة هي جزء من عمل كبير يتطلب وجود مسرح مجهّز بأحدث أنظمة الصوت والإضاءة، يتيح للممثلين حرية الحركة وسرعة أداء أدوارهم، كما يستوعب جمهوراً جاء متعنياً لعيش متعة العرض المسرحي.جهد جماعي يفوق طاقة فرد واحد، هذا هو العنوان العريض لأي عمل مسرحي ناجح. هناك فنون إبداعية كثيرة تكتفي وتزهر بالجهد الفردي ككتابة القصيدة والقصة والرواية ورسم اللوحة، لكن المسرح ولِد بوصفه عملاً جماعياً، حتى عمل الممثل الواحد في مسرح المونودراما، ينهض ومن ورائه جهود مضنية لكي يظهر بالشكل المطلوب.نعود إلى الكويت، وبالنظر إلى توفر خبرات إنسانية إبداعية رائعة في مجال المسرح، فإننا نؤمّل كثيراً على الفترة المقبلة، فترة مجمع الشيخ جابر الأحمد الثقافي، الذي يُنتظر أن يكون واحداً من أهم المجمعات الثقافية في الشرق الأوسط، ومجمع الشيخ عبدالله السالم، وهو أيضاً سيكون مجمعاً ثقافياً عصريا يقدم مختلف الأنشطة الفنية والثقافية. إن توفر البنى التحتية المتطورة والمتوفرة على أحدث التقنيات في عالم المسرح والموسيقى والسينما والفن التشكيلي يتطلب بالضرورة فكراً إبداعياً فنياً أدبياً يواكبها، وهو من ناحية أخرى يتطلب خططاً لإنتاج فني يليق به. إن العالم غدا قرية صغيرة بكل ما تحمل هذه الجملة من معاني، لذا فإنه يمكن الإعداد لأعمال مسرحية كويتية عربية بصبغة عالمية؛ أعمال يتعاون فيها أساتذة المسرح من كتّاب ومخرجين وفنانين مع مسارح عالمية مشهود لها، وذلك بغية تقديم أعمال مسرحية لافتة، أعمال تتجاوز الصيغ الحالية، وتتجاوز الفكر الحالي، وتتجاوز التقنيات المسرحية الحالية إلى مسرح معاصر مختلف وفكر إنساني مختلف وجمهور متذوق مختلف.أبداً ما عاد مقبولاً أن نحضر في الكويت عرضاً مسرحياً يقوم بالكامل على تسجيل موسيقي مسبق، أو ما يعرف بـ "البلاي باك–Playback" فالكوادر الموسيقية الكويتية المؤهلة حاضرة، ومؤكد أن بمقدورها تقديم عروض موسيقية حية ترافق العروض المسرحية، وتقدم حياةً مغايرة للعرض المسرحي ولجمهور الحضور. لدينا في الكويت أرضية مسرحية صلبة يعود تاريخها إلى العشرينيات حين عرض الشيخ عبدالعزيز الرشيد أول محاولاته المسرحية (محاورة إصلاحية) في شهر مارس عام 1924 على مسرح المدرسة الأحمدية، ثم محاولات محمد النشمي المخلصة خلال الأربعينيات، وأخيراً محاضرة زكي طليمات في المواسم الثقافية في منتصف الخمسينيات وقدومه تالياً وتأسيس فرقة المسرح العربي في العاشر من أكتوبر عام 1961، لتكون بذلك أول فرقة مسرحية كويتية تعمل وفق عمل المسرح المكتمل؛ نصاً وفنانين (نساء ورجالاً) ومخرجاً.حسب المعلن سيُفتتح مجمع الشيخ جابر الأحمد الثقافي في العام المقبل، وليس أقل من عملٍ مسرحي كويتي النهكة بأداء وإخراج عالمي الصبغة، عرض يعيد للمسرح الكويتي شيئاً من حضوره اللافت، ويستن للجيل الشاب خطاً مسرحياً مغايراً يكون قادراً على استلهام التراث الكويتي والعربي والإنساني ليُقدم بأبهى حلة، وليس كالمسرح فن يقوم على العلاقة المباشرة مع جمهور التلقي.اللحظة القادمة تخبّئ الأجمل، وليس لنا سوى التذكير والتمني.
توابل - ثقافات
عرضٌ مَسرحيٌ مُنتظر
10-08-2016