كلما ذكر اقتصاديو العالم الربيع اللاتيني المتمثل بالإصلاح الاقتصادي والسياسي، والانتقال من الاعتماد على القطاع العام إلى الخاص، ذهب خيال البعض إلى تشبيهه بدول مجلس التعاون، فما الذي يجمعنا بالدول اللاتينية؟ وهل بيننا وبين البرازيل أدنى تشابه؟

القارئ للصحف البرازيلية اليوم لن يستطيع تجاهل اهتمام الصحافة بالقصص المؤلمة لبطلات السباحة العربيات، فها هي الكويتية "فيّ السلطان" قد اختارت السباحة ضد تيار الفساد الرياضي، ومشاركت تحت العلم الأولمبي، وها هي اللاجئة السورية "يسرا مارديني" سبحت ضد تيار الفئات الداعشية وصمت المجتمع الدولي تجاه قضيتها، وشاركت بالأولمبياد.

Ad

ومن الصحف وهموم الرياضة إلى الربيع اللاتيني الأول، فالبرازيل ابتدأت كمستعمرة برتغالية في أميركا الجنوبية، وسط صراع نفوذ الدول الاستعمارية ووسط الغزو الفرنسي للبرتغال عام 1808، فهربت العائلة الحاكمة إلى البرازيل ثم عادت، ولا نعلم هل لسوء الحظ أم لحسنه أن الأمر مرتبط بالمزاج البرتغالي التاريخي، إذ تحول "دون بيدرو" أحد أمراء البرتغال إلى بطل قومي، فتبعه البرازيليون وساروا خلف زعامته، حتى أعلنت البرازيل استقلالها، وأعلن نفسه إمبراطوراً، وما زال البعض يمجد دون بيدرو حتى يومنا هذا.

قد يكون التشابه بيننا كدول خليجية والدول اللاتينية نابعا من تاريخنا الخليجي في إنشاء التكتلات والمجالس، فمنذ الستينيات والقارة اللاتينية تحاول تحقيق التكامل الاقتصادي، وإيجاد الجهاز التنفيذي المناسب لتنفيذ قوانين التجارة والاقتصاد بين الدول، فابتدأت بإنشاء منظمات اقتصادية متعددة للتجارة الحرة؛ كجماعة أميركا اللاتينية للتجارة الحرة، والسوق المشتركة لأميركا الوسطى بعضوية البرازيل والأرجنتين وكولومبيا وتشيلي والإكوادور والمكسيك وباراغواي وأورغواي وبيرو وفنزويلا، وهو تكتل اللافتا. وما ميز التكتل اللاتيني الاقتصادي هو الرغبة في سد الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، ولكن ليس عبر القروض أو المساعدت التي لا تولد إلا الاتكالية، بل عبر دعوة الدول في أميركا الوسطى للإفصاح عن السمة التجارية لديها، فسوق أميركا الوسطى يتضمن كوستاريكا ونيكاراغوا وسلفادور وغواتيمالا وهندوراس، والطريف في الاتفاقية هو الحديث عن تخصص كل دولة على حدة لتدخل سوق الدول الأعضاء، واستمرت القارة الجنوبية بتشكيل المجموعات الواحدة تلك الأخرى.

وقد يكون التشابه بيننا وبين القارة اللاتينية سياسياً أيضا، فالمنطقة واقعة تحت النفوذ والصراع الإقليمي بشكل مستمر، فإسبانيا قد بسطت نفوذها وأرادت استعادة البرازيل كمستعمرة سابقة، لكن بريطانيا والولايات المتحدة اعترفتا باستقلال البرازيل لتقطعا الطريق أمام الإسبان، وأصدر الرئيس الأميركي مونرو وقتها مبدأ سمي باسمه 1823 لردع كل أطماع استعمارية تجاه القارة اللاتينية، فوضعها تحت حمايته، ووضع حداً لامتداد النفوذ الأوروبي لها.

الطريف في الأمر أن المناهج وأدوات التحليل التي استخدمها أهل أميركا اللاتينية تشير إلى مبدأ مونرو كمبدأ حمائي تارة واستعماري تارة أخرى، ومازال المبدأ يتأرجح في التحليلات السياسية طبقا لعاطفة أهل البرازيل.

عانت دول أميركا الجنوبية بسبب تدخل القوى العظمى والكبيرة، ولطالما عانت أيضا بسبب سباق النفوذ في المنطقة بين البرتغال وإسبانيا والولايات المتحدة بفترة لاحقة، وتعرضت أيضا لحروب بسبب نزاعات دول النفوذ وتدخلها بشؤون الدول الداخلية، وأنشأت التكتلات الاقتصادية للنهوض، وعاشت ربيعا في فترة التسعينيات أحدثت من خلاله إصلاحا اقتصاديا وسياسيا تخلصت فيه من الاشتراكية، ولبست الثوب الرأسمالي، فتحولت بعض الدول إلى مجتمعات استهلاكية غير منتجة، وازدادت فجوة الفقر بغياب العدالة الاقتصادية، فهل بعد ذلك كله تنتهي رحلة بحثنا عن التشابه بيننا وبينهم أم أن هناك المزيد؟ وللحديث بقية.