إلغاء دعم البنزين و«الروشتة» المنحازة

نشر في 10-08-2016
آخر تحديث 10-08-2016 | 00:06
الـ120 مليون دينار التي ستوفرها الحكومة من رفع أسعار البنزين، بحسب تصريح الوكيل المساعد في وزارة المالية عبدالغفار العوضي، لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من إجمالي الميزانية العامة للدولة، مقارنة بحجم المبالغ الضخمة التي يمكن توفيرها لو أوقفت سياسات الهدر المالي والتنفيع التي يتسبب فيها الفساد السياسي وسوء إدارة المالية العامة.
 د. بدر الديحاني مع قرار الحكومة المتعلق بإلغاء الدعم عن البنزين بنحو 60% ابتداء من الأول من سبتمبر القادم، يبدأ فعلياً تنفيذ ما ورد من سياسات مالية واقتصادية في "وثيقتها الاقتصادية" التي تتبنى بشكل أساسي توصيات أو "روشتة" صندوق النقد والبنك الدوليين المعروفة بانحيازها الاجتماعي لمصلحة الأثرياء، وقد سبق أن تحدثنا غير مرة في هذه الزاوية عنها وعن تكلفتها الباهظة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.

رفع أسعار البنزين لا يوفّر على الميزانية العامة للدولة إلا ما مقداره (120) مليون دينار بحسب تصريح الوكيل المساعد لشؤون المحاسبة العامة في وزارة المالية عبدالغفار العوضي، وهذا المبلغ لا يمثل إلا نسبة ضئيلة للغاية من إجمالي الميزانية العامة للدولة، إذ لا يمكن مقارنته مع حجم المبالغ الضخمة التي يمكن توفيرها لو أوقفت سياسات الهدر المالي والتنفيع التي يتسبب فيها الفساد السياسي وسوء إدارة المالية العامة، ومن ضمنها، على سبيل المثال لا الحصر، العلاج السياحي، والمناقصات المليارية التي يستفيد منها عدد محدود من الشركات العائلية، وتأجير أراضي الدولة وأملاكها بمبالغ رمزية ولعقود طويلة.

بيد أن الحكومة ومستشاريها الماليين المحليين والعالميين (صندوق النقد والبنك الدوليين) على حد سواء يتجاهلون، عن عمد، تكلفة الفساد السياسي وسوء الإدارة العامة، ويهملون معالجة الاختلالات الرئيسة في الاقتصاد من خلال سياسات عامة عادلة، ثم يصمتون صمت القبور عن عمليات التنفيع السياسي والهدر المالي، وعن الدعم المُقدّم للقطاع الخاص الذي تتركز أغلب أعماله في أنشطة طفيلية، في حين لا ترى أعينهم سِوى جيب المواطن البسيط، فيطالبون بشكل استفزازي في أحايين كثيرة بإلغاء الدعم الاجتماعي الضروري وتحميل المواطنين والمقيمين تبعات عجز الميزانية من خلال سياسة جباية الأموال، وهو الأمر جعلهم مؤخراً يدافعون عن إلغاء الدعم عن البنزين ويعتبرونه إنجازاً عظيماً، ستتحدث عنه الركبان كما تقول العرب، وذلك لأنه يتماشى مع الاتجاه العام الذي تتبناه "الروشتة" الشهيرة، ويفتح المجال أمام الحكومة للاستمرار في تنفيذ سياسات اقتصادية ومالية رأسمالية نيوليبرالية منحازة اجتماعياً وغير عادلة، إذ إنها تُحمّل الفئات الوسطى والفقيرة العبء الأكبر للعجز الحاصل في الميزانية العامة للدولة بالرغم من أنهم لم يكونوا مسؤولين عن حدوثه!

على أي حال، ما دامت الحكومة قد بدأت بالفعل في تنفيذ "وثيقتها الاقتصادية" وذلك على الرغم من الرفض الشعبي الذي عبّر عنه كثير من المواطنين سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أو في الندوات العامة والكتابات الصحافية، وما دامت واثقة من صحة قراراتها فلماذا لا تقوم بنشر تفاصيل الدراسة أو الاستشارة المدفوعة الثمن التي اعتمدت عليها سواء في اتخاذ قرارها الحالي بإلغاء دعم البنزين، بالرغم من آثاره التضخمية التي ستؤدي إلى ارتفاع أسعار كثير من السلع والخدمات، أو فيما ستتخذه من قرارات في المستقبل القريب، والتي ستشمل رفع أسعار الكهرباء والماء، وإلغاء الدعم عن كثير من السلع والخدمات الأساسية، وخصخصة شركات في القطاع النفطي ومحطات الوقود والتعليم والصحة وغيرها، وذلك كي يتمكن الرأي العام من الاطلاع عليها ومناقشتها علناً؟

back to top