حتى لو لم تستطع المعارضة السورية بكل فصائلها حسم معركة حلب بالسرعة التي يتوقعها الأكثر تفاؤلاً، فإن الإنجاز العسكري الذي تحقق بفرض هذه الهزيمة، التي وإن كانت "تكتيكية"، على جيوش ثلاث دول، هي الدولة العظمى روسيا، والإقليمية الرئيسة إيران، و"المهزلة" التي على رأسها بشار الأسد، ومعها حزب حسن نصرالله وأكثر من أربعين تنظيماً طائفياً من شذاذ الآفاق المصابين بكل عقد التاريخ، يؤكد حقيقة أن النصر في النهاية وفي أي صراع هو للشعوب المكافحة التي تؤمن بقضية عادلة وتتمسك بها حتى النصر.

قبل أيام قليلة من هذا الإنجاز العسكري، الذي حققه شبان كان أهم سلاح استخدموه ضد قوى معتدية باغية هو استعدادهم للشهادة، وإيمانهم بأن النصر سيكون في النهاية إلى جانب الحق، وهم لديهم الاستعداد لبذل أرواحهم من أجله، كان "المتذيلون" لهذه الأنظمة القمعية والاستبدادية الثلاثة، وهي النظام الإيراني والروسي وما يعتبر نظام بشار الأسد - وهو في حقيقة الأمر غير ذلك - يفركون أكفهم فرحاً وحبوراً باعتبار أن كل شيء قد انتهى، وأنه لا ثورة ولا هُمْ يحزنون بعد الآن، و"أن الأسد إلى الأبد"، وأن هذه المنطقة كلها ستصبح قاعدة عسكرية روسية، وأن مرشد الثورة الإيرانية سيفرد عباءته على الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه!

Ad

أمس الأول، وبعد هذا الإنجاز العسكري الذي حققته المعارضة السورية، قالت المندوبة الأميركية في اجتماع عاجل واستثنائي لمجلس الأمن الدولي، كمن يتنفس الصعداء: "إن المفترض أن الروس والإيرانيين ومعهم نظام الأسد قد اقتنعوا بأنه لا يمكن أن يكون هناك حسم عسكري في هذا الصراع المحتدم منذ 5 أعوام"، ما يعني أن ما جرى في حلب جعل الأميركيين يستعيدون الثقة بأنفسهم، وجعلهم أكثر ثقة بالعودة إلى خيار "جنيف 1" وما ترتب عليه من مرحلة انتقالية لا مكان للرئيس السوري فيها، كان جون كيري في آخر تصريحات له قد شكك بإمكان الاحتكام إليها والأخذ بها، بعدما أعلن الروس والإيرانيون انتصاراتهم في حلب، والتي ثبت أنها كانت انتصارات وهمية وكلامية.

إن الإنجاز الذي حققته المعارضة السورية في حلب مجرد خطوة، ولكنها خطوة مهمة جداً من المفترض أنها أقنعت الروس قبل حلفائهم، نظام بشار وإيران، أنه إذا كان هناك أي أمل بأي حسم عسكري في هذا الصراع المتداخل والمعقد الطويل، فإنه سيكون إلى جانب المعارضة السورية، فهذه المعركة أثبتت أنه بإمكان الكف مقاومة المخرز، وأنه كما انتصرت شعوب كثيرة صغيرة وفقيرة على أكبر بغاة الأرض وطغاتها، فإن الشعب السوري العظيم سينتصر في النهاية على كل هذه القوى الظالمة.

وحقيقة أن هذا يجب أن يدركه ويفهمه أصحاب المواقف الرمادية من دول وأنظمة ومنظمات وأفراد، فتجارب التاريخ أثبتت أن من يختار موقف اللاموقف عندما يستدعي واقع الحال الحسم "إما هنا أو هناك"، سيكون خاسراً في النهاية، والمفترض أن كثيرين قد سمعوا بما أجاب به عبدالرحمن الداخل عنما سئل "لماذا دالت دولة بني أمية؟"، حيث كان رده: "لقد ركضنا خلف أعدائنا فلم ندركهم، وتخلينا عن أصدقائنا فخسرناهم".