الدين السيادي خيار تمويلي... فلا تحولوه إلى مصيدة!

يجب أن تواكبه إصلاحات حقيقية سواء انخفض سعر برميل النفط أم ارتفع

نشر في 11-08-2016
آخر تحديث 11-08-2016 | 00:05
No Image Caption
اقتراض 5 مليارات دينار سنوياً لمدد افتراضية تصل إلى 5 سنوات دون أن يواكب هذا الاقتراض تغير في عقلية الإدارة، التي ضيَّعت سنوات الفوائض المالية الاستثنائية على مدى 16 عاماً متتالية، سيفضي إلى اختلالات عميقة في الاقتصاد.
دخلت الكويت عهد الديون السيادية بإصدارها سندات تمويلية لتغطية العجز المتوقع في الميزانية العامة للدولة، بواقع ملياري دينار من البنوك المحلية، تم إصدار مليار منها فعلاً، و3 مليارات من البنوك العالمية، سيتم تغطيتها قبل نهاية العام الجاري.

وتعرف الديون السيادية بأنها الديون المترتبة على الحكومات، وتتخذ شكل السندات تُطرَح بالعملة المحلية على المستثمرين المحليين، أو بإصدار الحكومة سندات موجهة للمستثمرين في الخارج بعملة غير عملتها المحلية، والتي غالباً ما تكون عملة دولية مثل الدولار أو اليورو، وعادة يرتفع الطلب على الديون السيادية في زمن الطوارئ كالحروب والكوارث الطبيعية والأزمات المالية عندما تحتاج الحكومات إلى تمويلات سريعة لمواجهة الحالات الاستثنائية.

ولعل الدخول تحت مظلة الديون السيادية ليس في حد ذاته خللاً اقتصادياً، خصوصاً إذا كانت الدول- ومنها الكويت- تتمتع بأرصدة أجنبية عالية أو استثمارات وأصول سيادية متراكمة، وبالتالي ليس هناك ضرر كبير من التوجه إلى سوق الديون لتوفير احتياجات معينة، كتلك التي احتاجت إليها الكويت لتمويل نفقات مرحلة إعادة الإعمار بعد الغزو العراقي عام 1990، غير أن هذا السلوك، أي التوجه إلى الديون السيادية، بحاجة إلى قدر عالٍ من الحوكمة، وحسن الإدارة، كي لا يتحول من أداة تمويل إلى عبء على المالية العامة.

احتياج وخيار

فالتعاطي مع الدين العام السيادي يجب أن يكون احتياجاً طارئاً وليس خياراً لتمويل الميزانية، التي تعتمد بما يتجاوز 90 في المئة من إيراداتها على سوق النفط، الذي يعاني على المديين المتوسط والطويل من حالة عدم اليقين والتذبذب في الأسعار وعوامل الضغط المختلفة، التي أبرزها فائض المعروض في السوق، وخلافات المنتجين داخل "أوبك" وخارجها، بمعنى أن الاقتراض الكويتي يجب أن تواكبه إصلاحات اقتصادية حقيقية تمول سداد الديون، فضلاً عن احتياجات الميزانية، سواء انخفض سعر برميل النفط أم ارتفع.

مواكبة وتصنيف

لا شك أن اقتراض 5 مليارات دينار سنوياً لمدد افتراضية تصل إلى 5 سنوات دون أن يواكب هذا الاقتراض تغير في عقلية الإدارة، التي ضيّعت سنوات الفوائض المالية الاستثنائية على مدى 16 عاماً متتالية، سيفضي إلى اختلالات عميقة في الاقتصاد، أولها فقدان التصنيف الائتماني الممتاز الذي تتمتع به الكويت حالياً.

وبالتالي تراجع القدرة على الاقتراض في سنوات قادمة إلى جانب ارتفاع الفائدة على الدين نفسه، فضلاً عن السحب من احتياطيات الدولة السيادية، وما يرتبط أيضاً بتراجع القدرة الشرائية للعملة وقيمتها الفعلية، إضافة إلى آثار سلبية متنوعة على التضخم والأسعار في السوق، إذا استُخدِمت أموال الاقتراض فقط في سداد التزامات الميزانية السنوية.

خطة وقلق

ولعل خطة الإصلاح المالي، التي أعلنتها الحكومة قبل نحو 4 أشهر، هي أكثر ما يزيد القلق من ناحية تعاطيها مع أزمات الاقتصاد، بمنطق أن العجز في الميزانية ينحصر فقط في مجرد فارق إيرادات ومصروفات نتج عن انخفاض أسعار النفط، دون إيجاد حلول لمعضلة إخفاق الدولة وإدارتها في كثير من الملفات، كخلق أنشطة استثمارية متنوعة توفر إيرادات غير نفطية، وفرص عمل خارج القطاع العام، وإعادة التوازن إلى التركيبة السكانية، فضلاً عن الانحراف الواضح بين إنفاق الميزانية العامة وخطة التنمية لجعل بعض مشروعات الخطة، خصوصاً المتعلقة بالإنفاق العام كرفع نسبة الناتج غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، وتنويع مصادر الدخل، من ضرورات هذه المرحلة الحالية.

إنفاق وتناقضات

ففي سنوات العجز وبدء التوجه إلى سوق الديون نجد أن الإنفاق الحكومي يتصاعد على أكثر من صعيد، ليصل، مثلاً، إلى سحب 6 مليارات دينار من الاحتياطي العام للدولة والميزانية العامة لزيادة الإنفاق العسكري، فضلاً عن تنامي فاتورة العلاج في الخارج، كثالث أكبر فاتورة دعم بعد الكهرباء والبنزين، وهذه فاتورة خلقتها الحكومة بنفسها بهدف شراء ولاءات وترضيات لا علاقة لها بديمومة الاقتصاد أو تطوير الإدارة، مما يعكس تناقضات كثيرة في سياسات حكومية تدعي أنها تهدف إلى إعادة تسعير السلع والخدمات كالبنزين والكهرباء والماء، لخفض النفقات العامة، وبالتالي يتزايد الشعور بجدية سياسات الإصلاح الاقتصادي المعلنة.

إعادة نظر

التعاطي مع تحدٍّ اقتصادي متنامٍ، كالذي تشهده الكويت ودخول الديون السيادية كعنصر لافت في المالية العامة، يستوجب إعادة النظر في خطة الإصلاح المالي لجعل برامجها زمنية ومحددة بمواعيد، والأهم أن تكون واقعية بعيداً عن المبالغة في الرهان على خيارات ليس لدى الإدارة أصلاً أي خبرة في التعامل معها كالخصخصة، إلى جانب ضرورة أن يكون سوق العمل أحد أهم التحديات التي تخفف الضغط على الميزانية عبر إعادة توجيه المشاريع الكبرى والمناقصات لخدمة هذا الهدف، فضلاً عن إعادة هيكلة إيرادات الدولة بما يدعم تطبيق ضريبة الأعمال على الشركات، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية بما يصب في اتجاه المنافسة في السوق، وخلق فرص العمل، وتمويل الوعاء الضريبي المفقود حالياً.

إدارة الملف

الدين السيادي ليس عيباً، والعجز في الميزانية ليست مشكلة كبيرة، لكن الخوف من أن تكون إدارة الدين والعجز امتداداً للإخفاقات السابقة، التي أفضت إلى الوصول إلى العجز والدين... فإذا كان للعجز المالي أضرار يمكن السيطرة عليها، فإن إدارة ملف الدين السيادي بنفس طريقة إدارة الفوائض المالية دون وجود إيرادات خارج عقلية سوق النفط ربما تجعله يتراكم، فتحصل أزمة دين عام يمكن أن تكون المصيدة التي لا نتمنى الوقوع فيها.

سوء إدارة الدين يفقدنا التصنيف الممتاز ويلجئنا إلى السحب من الاحتياطيات
back to top