تفيد مصادر سياسية رفيعة بأن وساطات من العيار الثقيل لا تزال تنشط لتطويق الاتهامات المتبادلة بشأن الفساد، بين رئيس البرلمان سليم الجبوري ووزير الدفاع خالد العبيدي، مرجحة ألا تنتهي المواجهة بينهما، رغم أن القضاء أغلق القضية الخطيرة والنادرة خلال جلسة تحقيق مع الجبوري لم تستغرق أكثر من ساعة، في خطوة أثارت موجة سخرية واسعة بين العراقيين.

وبدأت الأزمة حين وافق رئيس البرلمان على استجواب وزير الدفاع للمرة الثانية في غضون عام، رغم أن الرجلين ينتميان إلى تكتل سياسي واحد هو اتحاد القوى (السني).

Ad

وما يعقد المشهد أكثر أن كلاً من الجبوري والعبيدي، يعد شخصية سياسية معتدلة، ويساهم في تحقيق توازن داخل الانقسام الدموي بين الطوائف، رغم أنهما يمثلان جناحين يتصارعان داخل الوسط السني، إذ يمثل الجبوري الحزب الإسلامي ذراع «الإخوان» السياسي في العراق، بينما يقترب الوزير من عائلة أسامة النجيفي الرئيس السابق للبرلمان.

وتزخر الكواليس بسيناريوهات عديدة حول هذه الأزمة، وتنتشر تسريبات متناقضة تتضمن أحياناً تأكيدات أن الجبوري سيستقيل، أو أن وزير الدفاع سيخسر منصبه، لكن أسلوب الرجلين في إدارة الأزمة لا يوحي بذلك، فكل منهما متمسك بمواقفه وقادر على البقاء فترة أطول في المنصب.

فالجبوري يعلم أن الكتلة السنية لن تستطيع اختيار بديل له بسهولة، كما أن وزير الدفاع يقترب من خوض معركة الموصل ذات الأهمية الفائقة للعراقيين وللتحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وذلك ما يجعل استبداله صعباً في هذه الظروف.

وتنقل مصادر أن أطرافاً إقليمية ودولية فرضت التهدئة بين الرجلين، ما أتاح للجبوري أن يذهب إلى القضاء ويحصل على «إغلاق للقضية» في أقل من ساعة، ويفترض هذا السيناريو أن الوزير سيحصل على تنازل بشأن قضايا التشهير المقامة ضده من أنصار رئيس البرلمان، لكن الأمر تحول إلى إحراج شديد للأجهزة القضائية والرقابية، إذ يطرح الجميع أسئلة كثيرة حول السر في هذا الحسم السريع لاتهامات كبيرة متبادلة، وتجاهل القضاء لقرائن عديدة وعدم استجواب الشهود ونحو ذلك، وهو ما أثار مجدداً أزمة الثقة العميقة بين الرأي العام ومؤسسات الدولة التشريعية والرقابية.

ويشعر العبيدي بنوع من «الزهو»، ويقوم فريقه بإنتاج فيديوهات عديدة يومياً، حول انتصاراته في المعارك وتنقلاته بين قواطع العمليات، إلى جانب مقاطع من مرافعته المثيرة في البرلمان، وهو ما استقطب اهتماماً شعبياً أول الأمر، سرعان ما تحول إلى موقف متسائل يفترض أنه «لا يوجد مسؤول نزيه»، لأن السياسة العراقية هي «حفلة فساد مالي كبرى»، كما أن الفساد لا يعد عند الأحزاب جريمة بقدر ما يحقق «توازن القدرات والقوى» داخل حفلة الموت المتواصلة منذ سنوات، حسب الوصف المفضل لدى الكثير من المهتمين بشؤون مكافحة الفساد، ولذلك لم تحظَ القضايا الكبرى بتحقيقات جادة من شأنها كبح جماح هذه الجرائم.