قال صندوق النقد الدولي، أمس، إن بعثته في القاهرة توصلت إلى اتفاق مع الحكومة المصرية، لإقراضها 12 مليار دولار على 3 سنوات، داعيا شركاء مصر إلى مساعدتها في «هذه الفترة الحرجة». وكانت الحكومة المصرية أعلنت أواخر يوليو عن حاجتها لتمويل برنامجها الاقتصادي بنحو 21 مليار دولار على ثلاث سنوات، بما في ذلك 12 مليارا من صندوق النقد الدولي.وأضاف الصندوق أن الاتفاق مع مصر سيخضع لموافقة المجلس التنفيذي للصندوق خلال الأسابيع المقبلة.
كانت مصر سعت بعد الانتفاضة التي أطاحت الرئيس حسني مبارك في 2011 إلى الاقتراض من صندوق النقد، وكانت على وشك إبرام اتفاق إبان حكم المجلس العسكري بقيمة 3.2 مليارات دولار.لكن ذلك الاتفاق لم يرَ النور، نظرا لانتقال الحكم في منتصف 2012 إلى الرئيس محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي سعت حكومته لاحقا لاقتراض 4.5 مليارات دولار من صندوق النقد. ولم يكتمل ذلك الاتفاق أيضا عقب عزل مرسي في منتصف 2013.وقال الصندوق في البيان الصحافي إن البرنامج التمويلي يهدف إلى تحسين أسواق الصرف الأجنبي وتقليص عجز الموازنة وخفض الدين الحكومي، مشيرا إلى أنه من المتوقع انخفاض عجز الموازنة المصرية من 98 في المئة من الناتج المحلي في 2015-2016 إلى 88 في المئة في 2018-2019.وقال محمد عمران، رئيس البورصة المصرية، لوكالة رويترز: «التوصل إلى اتفاق مع الصندوق خطوة مهمة لمصر على طريق الإصلاح. من شأن الاتفاق إعطاء ثقة لمجتمع المستثمرين بأننا نسير على المسار السليم».وقال كريس جارفيس، المسؤول بصندوق النقد الدولي، في مؤتمر صحافي بالقاهرة، أمس، إن مستوى الدين العام في مصر يبعث على القلق، وبرنامج الإصلاح الحكومي الذي يدعمه صندوق النقد يهدف إلى خفض هذا الدين.وتكافح مصر شديدة الاعتماد على الواردات لإنعاش اقتصادها منذ انتفاضة 2011 التي أعقبتها قلاقل أدت إلى عزوف المستثمرين الأجانب والسياح المصدرين الرئيسيين للعملة الصعبة، بجانب انخفاض إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين في الخارج.وذكر الصندوق أن البنك المركزي المصري سيهدف إلى تعزيز احتياطي النقد الأجنبي، وخفض التضخم إلى معدل في خانة الآحاد، والتحول إلى نظام سعر صرف مرن سيعزز القدرة التنافسية لمصر وصادراتها، وسيجذب استثمارات أجنبية مباشرة.ونزلت الاحتياطيات الأجنبية المصرية من 36 مليار دولار في 2011 إلى نحو 15.5 مليارا في يوليو.واستقر التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية دون تغيير عند 14 في المئة في يوليو، فيما تراجع التضخم الأساسي بشكل طفيف، لكنه ظل عند أعلى مستوى في 7 سنوات عند 12.31 في المئة مع استمرار تأثير خفض قيمة العملة هذا العام.وقال الصندوق في بيانه الصحافي: «تمثل الحماية الاجتماعية حجر زاوية في برنامج الإصلاح الحكومي. وسيتم توجيه جانب من وفورات الموازنة المتحققة من الإجراءات الإصلاحية نحو الإنفاق على التحويلات النقدية الاجتماعية، وبالتحديد في مجالات دعم الغذاء والتحويلات الاجتماعية الموجهة إلى المستحقين».وأضاف: «مع تنفيذ برنامج الاصلاح الحكومي، إلى جانب المساعدات من أصدقاء مصر سيعود الاقتصاد المصري إلى إمكاناته الكاملة، ما سيساعد على تحقيق نمو احتوائي وغني بفرص العمل ورفع مستويات المعيشة للمواطنين».وتابع: «نحن في صندوق النقد الدولي على استعداد للشراكة مع مصر في هذا البرنامج، كما سنشجع الهيئات الدولية والبلدان الأخرى على تقديم الدعم لها. سيكون من المفيد أيضا أن يبادر شركاء مصر على المستوى الثنائي إلى دعمها في هذه الفترة الحرجة».من جهته، قال المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي حازم الببلاوي لـ"الجريدة"، إن "الصندوق لم يفرض شروطه على مصر، بل يعمل على إصلاح الأخطاء للنهوض بالاقتصاد المصري، وتعزيز ثقة المستثمرين فيه". وأضاف الببلاوي، الذي تولى رئاسة الحكومة المصرية سابقا: "الاتفاق بين القاهرة ووفد الصندوق سيعرض على مجلس إدارة الأخير، والمكون من 24 عضواً لإعطاء القرار النهائي بالموافقة على القرض، بعد ذلك سيوجه الصندوق خطاب نوايا للحكومة المصرية للتوقيع عليه بالموافقة، وبعد ذلك يعرض على مجلس النواب المصري لإقراره".
انحصار تجار الدولار بعد توسع مصر في مطاردتهم أمنياً
قالت مصادر مطلعة، إن الحكومة المصرية بدأت بالاستعانة بأكثر من جهاز أمني، إضافة إلى البنك المركزي المصري، في إطار الحرب، التي تشنها على السوق السوداء وتجارة العملة، التي كبدت الجنيه المصري خسائر حادة خلال الفترة الماضية. وأوضحت المصادر في تصريحات خاصة لـ«العربية.نت»، أن الحكومة المصرية لم تقصر مطاردتها لتجار العملة على مباحث الأموال العامة والبنك المركزي فقط، لكنها استعانت بجهاز الأمن الوطني الذي بدأ يراقب التجار من بعد، وربما سيتدخل بشكل أكبر خلال الأيام المقبلة.وقرر مجلس النواب المصري قبل أيام تغليظ عقوبات المتاجرة في الدولار، وفقاً لمطالب البنك المركزي المصري، حيث وافق المجلس وبصفة نهائية على تعديل قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003. وتستهدف تعديلات القانون تغليظ العقوبة على المضاربين، بما يكفل الضرب بشدة على يد كل مَن تسول له نفسه الإضرار بالاقتصاد الوطني ومصالح المواطنين. حيث رفعت التعديلات بالقانون الجديد قيمة الغرامة لتتراوح بين مليون و5 ملايين جنيه وتحويل العقوبة من جنحة إلى جناية لتصل فترة الحبس إلى ما بين 3 و10 سنوات. وأشارت المصادر، التي طلبت عدم ذكر اسمها، إلى أن تعليمات صدرت لجهاز الأمن الوطني بالمشاركة في ضبط سوق الصرف والقضاء على السوق السوداء ومطاردة تجار العملة، مشيرة إلى أن القرار رغم أنه لم يصدر بشكل رسمي لكنه تسبب في حدوث ارتباك شديد في السوق السوداء. في نفس الوقت اختفى عدد كبير من تجار العملة من مقار عملهم ومن منازلهم، في إطار إجراءات احترازية، تحسباً للمطاردات الأمنية التي سيتم التوسع فيها خلال الأيام المقبلة، فيما أغلق غالبية التجار والعاملين معهم هواتفهم المحمولة. وقال تاجر عملة رفض ذكر اسمه، إن الشركات التي نتعامل معها في القاهرة طلبت وقف تجميع الدولارات من السوق المحلي، وتجميد أي أعمال تتوقف بالبيع والشراء على الدولار، كما طلبت منهم عدم التحدث مع أي شخص سواء معروف أو غير معروف لديهم عن أسعار الدولار في السوق السوداء. وتابع: «قرار البنك المركزي بإغلاق 48 شركة صرافة حتى الآن أحدث حالة من الارتباك في السوق، لكن من الصعوبة القضاء على تجارة العملة بالشكل الذي تتوقعه الحكومة سواء من خلال الأجهزة الأمنية أو الرقابية»