حتى لا يذهب إلى بطرسبورغ للقاء فلاديمير بوتين رافعاً يديه وبلا أيِّ "ورقة ضاغطة" يلعب بها على طاولة المفاوضات؛ فإن المؤكد أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هو من رتَّب انتصار حلب الذي حققته المعارضة السورية، والذي (رغم أن الأميركيين قلّلوا من شأنه كعادتهم منذ انفجار هذا الصراع قبل خمسة أعوام وأكثر) جعل الرئيس الروسي بالتأكيد يتحاشى حتى محاولة فرض إملاءات على ضيفه "العزيز" الذي ينطبق عليه ذلك المثل القائل: "العدوُّ الذي ليس من صداقته بُدٌّ".

لو أن المعارضة السورية لم تحقق هذا الإنجاز الذي حققته في حلب لكان إردوغان قد ذهب إلى بطرسبورغ "ربي كما خلقتني"، فعلاقة تركيا بالحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة الأميركية لم تكن قد وصلت إلى كل هذا التردي الذي وصلت إليه، منذ قرابة مئة عام، وعلاقتها بأوروبا ازدادت سوءاً وتدهوراً منذ محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة. ثم، وفوق هذا كله، فإن الرئيس التركي قد قام بهذه الزيارة كـ"لزوم لازم"، فجبهته الداخلية مزعزعة وسجونه محشوة حشواً بعشرات الألوف من المعتقلين، وهذا بالطبع لا يمكن إلا أن يحسب حسابه رئيسٌ باتت حاله كحال الذئب الجريح واضطر إلى فتح ذراعيه لـ "عدوٍّ ليس من صداقته بدٌّ"!

Ad

وهنا فإن المؤكد أن "انتصار" المعارضة السورية في حلب الذي ذهب به إردوغان إلى بطرسبورغ قد استخدمه الرئيس التركي كورقة رابحة على طاولة المفاوضات مع فلاديمير بوتين، لكن المؤكد أيضاً أن هذه الورقة ستنتهي صلاحيتها، وستخسر قوتها "التكتيكية" إنْ لم يظل الأتراك مصرين على ضرورة تنحي بشار الأسد عن مواقع المسؤولية وعلى أنَّه لا مكان له في المرحلة الانتقالية وفقاً لـ"جنيف 1" وفيينا والقرارات الدولية.

إنَّ رجب طيب إردوغان، الذي ذهب إلى بطرسبورغ بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي زعزعت الأوضاع في تركيا وكادت تقلبها رأساً على عقب، للقاء "العدو الذي ليس من صداقته بُدٌّ"، يعرف أن الورقة الوحيدة التي بإمكانه اللعب بها على طاولة توزيع الحصص والغنائم في الشرق الأوسط هي ورقة المعارضة السورية، وأنَّ أي تفريط في هذه الورقة سيُخسِّره أصدقاءه في هذه المنطقة، وسيجعله فريسة لأعدائه الذين غَدَوا ليس من صداقتهم بدٌّ، ولذلك فإن الواضح، وربما المؤكد، أنه سيبقى متمسكاً بضرورة إقصاء بشار الأسد عن مواقع المسؤولية وضرورة تطبيق حلِّ "جنيف1"... والمرحلة الانتقالية.

هذا يتطلب المزيد من دعم حلفاء إردوغان العرب له، فالأوضاع بعد كل هذه التحولات الإقليمية التي ترتبت على الانقلاب العسكري الأخير في تركيا باتت خطيرة ودقيقة، ويجب الأخذ بعين الاعتبار، دائماً وأبداً، أنَّه لا يمكن الاطمئنان لهذا الدور العدائي المكشوف الذي تلعبه روسيا الاتحادية في سورية، وفي هذه المنطقة، وهو دور إنْ هو تواصل وبقي مستمراً فإن المستفيد منه هو إيران أولاً، وإسرائيل ثانياً، ولهذا فإنه خطأ يرتقي إلى مستوى الجريمة التاريخية أنْ يُترك "الأشقاء" الأتراك يواجهون كل هذه المستجدات، وكل هذا الخلل في المعادلات الإقليمية، وأيضاً الدولية، وحدهم. واللهم اشهد... اللهم اشهد!