بعدما دخل التاريخ من أوسع أبوابه كقائد للثورة الكوبية، يحتفل الزعيم الشيوعي فيدل كاسترو الذي طالته انتقادات لكنه حظي بإعجاب كثيرين قبل أن يتنازل عن السلطة، بعيد مولده التسعين السبت، في خضم تقارب تاريخي بين كوبا والولايات المتحدة، العدو اللدود خلال الحرب الباردة.

Ad

وعلى غرار السنوات السابقة، لا احتفالاً رسمياً مقرراً لمناسبة عيد مولد «الكومندانتي»، رغم أن زيارة من حليفه الرئيسي في المنطقة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو غير مستبعدة.

وأكد الرئيس الاشتراكي «نحتفل بالأعوام التسعين لهذا الرجل الخالد».

ومنذ أسابيع، بدأ إحياء حفلات ومعارض بالإضافة إلى تعليق ملصقات تحمل صورته على امتداد الجزيرة احتفالاً بواحد من أكثر الرجال تأثيراً وإثارة للجدل في القرن العشرين.

وإذا كان تنازل قبل عشر سنوات عن السلطة لشقيقه راوول (85 عاماً) لأسباب صحية، فلا يزال فيدل كاسترو حاضراً أكثر من أي وقت مضى في الجزيرة الشيوعية.

في كوبا «فيدل هو كل شيء، هو الرياضة، والثقافة، هو الثورة، كوبا ثائرة بسبب فيدل»، بحسب ما يقول عامل الزجاج مانويل برافو (48 عاماً) قرب واحد من مبان عدة في هافانا علق عليها شعار «فيدل، 90 عاماً وأكثر».

فيدل كاسترو هو الرجل الذي أسس نظام الحزب الواحد الاشتراكي، وتعرض لانتقادات عدة على الساحة الدولية بسبب الانتهاكات العديدة لحقوق الإنسان.

لكنه في الوقت نفسه هو الرجل الذي وفر الطبابة والتعليم المجانيين لملايين الكوبيين، وغالبيتهم من الفقراء.

في 1959 دخل فيدل هافانا منتصراً، فصاحب اللحية السوداء والبزة العسكرية الذي لم يخضع لأي تأهيل عسكري ويحمل دكتوراه في الحقوق في الثانية والثلاثين من العمر، هزم جيشاً من ثمانين ألف رجل مع «ثواره الملتحين»، وأطاح فولغنسيو باتيستا الرئيس المستبد الذي كان في السلطة.

أما اليوم، فيجلس بلحيته البيضاء داخل منزله في هافانا منذ سنوات، بعدما أصيب بمرض معوي خطير، ولا يستقبل زيارات من شخصيات إلا نادراً، ووضعه الصحي الحقيقي محاط بسرية تامة.

الكومندانتي

في آخر ظهور علني له كان في 19 أبريل لاختتام مؤتمر الحزب الشيوعي الكوبي، كان فيدل جالساً بلباس رياضي أزرق، وقال حينها بصوت مرتجف «قريباً سأنتهي مثل الآخرين، الدور سيأتي للجميع».

لكن معارضيه الشرسين لم ينسوا سنوات القمع ضد معارضي النظام الذي حكم بيد من حديد.

وتقول لوكالة فرانس برس المعارضة مارتا بياتريز روكي (71 عاماً) التي سجنت مرتين عندما كان فيدل في السلطة وهي حالياً في إطلاق سراح مشروط «لا أعرف إن كنت استطيع أن أتمنى له عيد ميلاد سعيد».

فبالنسبة إليها، الإرث الذي تركه «الكومندانتي» هو «الفوضى» وعدم حل المشاكل الاقتصادية و«السيطرة على حياة جميع الناس في هذا البلد».

بدوره، يوضح دكتور العلوم السياسية في جامعة أوكسفورد كيفن كاساس-زامورا لوكالة فرانس برس أنه رغم ابتعاده عن السلطة، فإن فيدل كاسترو واصل ممارسة «تأثير غير مباشر من خلال بعض الشخصيات في النظام، من الذين لا يشعرون بالارتياح حيال الإصلاحات التي قام بها راوول».

ويضيف أن تواجده الشخصي هو بمثابة «حصن منيع أمام الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الأكثر تشدداً»، بعدما أطلق شقيقه راوول عملية انفتاح تدريجي للعمل الخاص والاستثمارات الأجنبية.

لكن فيدل لم يتمكن من منع أحد التغييرات الأكثر راديكالية التي حصلت في الجزيرة، وهو بدء التقارب الدبلوماسي التاريخي في العام 2015 مع العدو القديم في الحرب الباردة، الولايات المتحدة.

وقال الرئيس السابق علناً أنه لا يعارض هذه المصالحة، لكنه بقي ثابتاً في انتقاداته.

وكتب في مارس بعد أسبوع من زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما «نحن لسنا في حاجة لأن تقدم لنا الإمبراطورية هدايا من أي نوع كانت».

هذا الموقف ما زال يلقى بعض الإعجاب في المنطقة، ويقول المحلل في مركز أبحاث الحوار بين البلدان الأميركية في واشنطن بيتر حكيم إنه «بالنسبة لغالبية سكان أميركا اللاتينية، يمثل فيدل كاسترو المقاومة البطولية لهيمنة وسيطرة الولايات المتحدة».

ويُضيف «لكن أنا لا أعتقد أنه سيظل بطلاً لفترة طويلة جداً، وأعتقد أنه سينظر إليه على أنه الرجل الذي كان قادراً على فرض إرادته على الكوبيين»، معتبراً أنه في نهاية المطاف «وجد نفسه في مواجهة العالم الحديث هو وكوبا».