يتبدى القرن الحادي والعشرين وكأنه قرن الإرهاب، ولتمييز العمل الإرهابي عن الحروب التقليدية والعمليات العسكرية التي تخوضها الكيانات السياسية وتسعى من خلالها إلى اجتياح عدوها بالقوة، أو تدمير السكان أو تهجيرهم عن طريق الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي، في هذه الصيغ الشائعة للمعارك، تتحقق الأهداف المرجوة– أو يمكن تحقيقها– تماما بالقوة. وعلى النقيض من ذلك تندرج الأعمال الإرهابية ضمن فئة من أعمال العنف التي لا تتضمن نية لإحلال العنف محل عملية صنع القرار، ولكنها أعمال عنف ترمي إلى التأثير في القرارات، فالأعمال الإرهابية تسعى قبل كل شيء إلى بث الخوف وخفض المعنويات، وبالتالي تدفع الطرف الذي يستهدفه الإرهاب إلى إجراء تغييرات في السياسة وفي طريقة تعامله مع القضايا المختلفة.
وفي الوقت الذي يمكننا ملاحظة أهداف الأعمال الانتقامية أو التخريبية على أن لا هدف لها سوى الدمار، وبالطبع إثارة الرعب في نفوس من تعرض للتدمير، يمكننا أيضا ألا نعدّها من النماذج الأساسية للإرهاب، فالأعمال الإرهابية تختلف جذريا عن هذه العمليات العشوائية في أنها تتماهى مع أعمال الردع، التي يقوم بتنفيذها طرف ما بغية التأثير في عملية صنع القرار لدى الطرف الآخر من أجل تكبيل إرادته ومنعه من التصرف بطريقة لا يرغب بها الطرف الأول. والحق أن هناك اختلافات مهمة بين الإرهاب والردع، فالأعمال الإرهابية، على هذا النحو، ليست هي نفسها التهديدات بالردع، على الرغم من أن الأعمال الإرهابية تنطوي عادة على التهديد بمزيد من الإرهاب، فضلا عن ذلك، لا تتضمن فكرة الردع خطأً أو شبهة من الناحية الأخلاقية، على النقيض مما تنطوي عليه فكرة الإرهاب. وهذا اختلاف على قدر كبير من الأهمية، حيث من الممكن الاقتصار على التهديد فقط ليفعل المرء الصواب، على سبيل المثال، كما يحدث في صياغة أحكام القانون الجنائي وتنفيذها، وذلك بغية ردع أي أعمال إجرامية في المستقبل على الأقل. ومن جانب آخر، بمقدور المرء أيضا التهديد بردع الأعمال الإرهابية على وجه التحديد، مثل ما كانت عليه الحال في الردع النووي من قبل القوى العظمى خلال الحرب الباردة، وتشير هذه الإمكانية إلى أن وصف أي عمل بالإرهابي لا يكون عن طريق البنية السياسية التي تشترك فيها الأعمال الإرهابية مع أعمال الردع والعديد من الأعمال الأخرى التي تنطوي على عنف، ولكن تحدد ذلك الطرق الخاصة التي يستخدم من خلالها العنف.ومن الضروري النظر في مجموع ذلك لأن الإرهاب كان وسيظل محركا للسياسات في المشرق العربي، ولعل فهم الانهيارات التي نواكبها راهنا وتصيب بنية التراكيب السياسية في غير بلد ترتبط بقوة في التعقل والفهم المجتمعي لظاهرة الإرهاب وحدودها.
مقالات
معضلة الإرهاب
14-08-2016