الكافر
الطريق الأسهل اليوم لإلغاء الإنسان وأفكاره وتأليب العامة عليه وربما التحريض على إنهاء حياته وقتله، هو اتهامه بالكفر. فالعامة التي يعتمد عليها التكفيري لا تعرف عن الشخص المتهم بالكفر سوى الفتوى التي أصدرها "المفتي" بحقه. ولأنها صدرت من رجل تراه العامة مرجعا دينيا وعالما كبيرا لا ينطق بغير الحق، فإنها لا تجد سببا يجعلها تناقض الفتوى أو تناقشها. في سنوات الدراسة الجامعية كان الطالب الذي يحصد درجات علمية عالية يجد نفسه منافسا على مقعد في كليات الطب والهندسة والعلوم، بينما يذهب ذو الدرجات المتدنية إلى كليات الآداب والشريعة والتي تقبله بالحد الأدنى من المستوى العلمي. وبعد أربع سنوات، وقبل أن يلم بأكثر من شهادته الجامعية، يخرج للناس مفتيا وعالما، أو يتحول إلى أداة طيعة بيد "المفتي" الذي يوجهه للقتل والتخلص ممن يراه لا يتوافق مع فكره، وإن كان زميلا له في التخصص الشرعي ذاته. بينما يمضي طالب العلم في إفناء حياته من أجل فكرة أو نظرية يخدم بها البشرية.
التكفير ليس مقتصرا على بعض أصحاب الفكر الديني الإسلامي، فالاتهام بالهرطقة أو الزندقة (Heretic) كان في المسيحية في القرون الأولى، وهي صفة كل من يناقش الثوابت التي تم التسليم بها لضرورة عدم اختراقها. فكان، على سبيل المثال، من يرى أن المسيح نبيا وليس إلها يحكم بالردة والقتل، كما حدث مع أتباع القس آريوس في القرن الثالث الميلادي. الصراع اليوم ليس بين رجالات الدين واختلافهم واتهامهم بعضهم بعضا بالزندقة والهرطقة والخروج على الثوابت التي يراها فريق ويرفضها آخر، لكنه امتد إلى علماء الطبيعة والطب. علماء الطبيعة هؤلاء لم يتدخلوا في الشأن الديني، ولم يصدروا فتاوى مخالفة لرجال الدين، ولم يتدخلوا في صراع مذاهبهم ومشاربهم، فهؤلاء علماء أخلصوا للعلوم التي تخصصوا فيها وبذلوا وقتهم وخبراتهم العلمية لخدمة الإنسانية، ورغم غربتهم، لم يبخلوا على بلدانهم الأصلية. الهجوم الذي يشنه رجالات الدين، ولا أقول علماء الدين، على د. أحمد زويل، وسبقه في ذلك الدكتور الشهير مجدي يعقوب، استخدم فيه الدين والتكفير، لأنه الطريق الأكثر خطورة لإلغاء شخصية العالم ومحو أثره في أذهان الناس والمسلمين تحديدا. محاولة التكفير ليست لإلغاء العالم، خصوصا بعد وفاته، إنما لإلغاء منجزه العلمي، وكأنه كان يعمل طوال حياته لقتل البشرية. وهو أكثر خطورة لو أن العالم مازال حيا، فالعالم الذي تقدره الإنسانية وتحتفي بصنيعه في خدمة العلم وتنظر لاكتشافاته كفتوحات علمية يعرّضه رجل الدين للموت على يد شخص جاهل لا يعرف كيف يحل معادلة رياضية من الدرجة الأولى، ولا يعرف الحقل العلمي الذي يعمل فيه هذا العالم، وربما لا يحسن حتى نطقه نطقا صحيحا. ما تم ذكره لا يعني أننا لا نختلف مع موقف من مواقف العالم في الشؤون العامة، سواء السياسية أو الحياتية، وقد نهاجمه وننتقده على موقف ما نرى خلافه ويحق ذلك لرجل الدين أيضا. ما لا يحق لنا ولا لرجل الدين هو التكفير بناءً على التأويل الذي يختلف فيه رجل دين عن رجل دين آخر.