جورجيا أوكيف (1-2)

نشر في 15-08-2016
آخر تحديث 15-08-2016 | 00:00
 فوزية شويش السالم عندما يسعدك الحظ وتحظى برؤية شيء كنت تحلم برؤيته من زمن ولم تُتح لك الفرصة لمشاهدته، كم تتوقع حجم الفرحة والبهجة التي ستحل عليك؟

هذا ما حصل لي في هذا الصيف عندما زرت متحف "تيت" ووجدت استضافته لكامل أعمال الفنانة الأميركية الأيقونة جورجيا أوكيف، وكنت أتمنى مشاهدة جميع أعمالها التي لم يسبق لي رؤيتها إلا في الإنترنت، وكانت من أجمل ما شاهدت من معارض فنية، وفي الحال وردت في بالي لوحات الفنان المبدع الصديق عدلي رزق الله، الذي قالوا عن تأثره بها.

في الواقع ربما تكون فكرة رسم حسية الزهور قد تنبه لها من أعمالها، لكن للأمانة أعماله تفجرت وتعددت واتسعت وأبهرت في هذه الزهور أكثر منها، فهي اكتفت فيها كمرحلة من مراحلها فقط، ثم تخطتها.

وسوف أترجم ما كتبته عن كل مرحلة من مراحلها، لأهمية أقوالها في الوعي الفني.

ولدت جورجيا أوكيف في 15 نوفمبر 1887 في وسيكنسن بالولايات المتحدة، وتوفيت في 6 مارس 1986 عن عمر 98 عاما، أي انها عاشت تقريبا قرنا بحاله، ما منحها فرصة عظيمة لإنتاج أعمال فنية متنوعة تنقلت بمراحل فنية مختلفة، وهذا ما سأركز عليه بمقالي هذا والذي يليه، لأهمية هذه المراحل الفنية، ولجمال وعيها فيها ورؤيتها لها.

أعمالها المبكرة بالفحم كانت عن الطبيعة عندما كانت تعمل بالتدريس في فرجينيا وتكساس، وكتبت عن تلك المرحلة: "ليس في رأسي أي أفكار من تلك التي علموها لي، الأشكال والأفكار قريبة مني، قررت أن أكون جديدة، لذا ألغيت كل ما تعلمته، وبدأت بالورق والفحم، وقررت ألا أستعمل أي لون إلا أن يبات من المستحيل عمله بدونه، أريد أن أشتغل على الأسود والأبيض".

وكان أول معرض منفرد لها في عام 1917 عندما أرسلت لوحاتها إلى صديقتها التي قدمتها للمصور الشهير ستقليتز، الذي قال حينما رآها: "أخيرا امرأة على الورق".

قوتها تكمن في قدرتها على المعالجة والتحكم في تحويل الحاسة إلى حاسة أخرى، مثل ترجمة الصوت إلى أشكال تجريدية، تقول عنها: "أنا أرسم، لأن اللون لغة مهمة بالنسبة لي". تأخذ الإلهام من تحفيز الحواس، ولوحاتها تبحث في العلاقة بين الموسيقى والحواس وخلطة الألوان، الفكرة من ذلك هي ترجمة الموسيقى إلى ما يُرى بالعين، وهو ما ظهر في عملها التجريدي المبكر للزهور، التي استلهمت رسوماتها من إيقاظ الشعور الحسي من الموسيقى المصاحبة للإحساس.

انتبه النقاد إلى الجوهر الحسي في لوحاتها، وردت عليهم: "عندما يرى الناس الجنس في لوحاتي، فهم يترجمون مشاعرهم الخاصة بهم".

في هذه المرحلة عاشت قصة حب كبيرة مع المصور الشهير الفرد ستقليتز، الذي اتخذها كموديل لصوره، وقالت عن تصويرها: "لقد صُورت كثيرا، لأني أمثل الكبرياء للمصورين".

مرحلتها الثانية كانت عن الغيوم 1924، وقام ستقليتز أيضا بتصوير بورتريهات كثيرة لها وللسحب أيضا.

مرحلتها الثالثة رسوماتها لمدينة نيويورك، التي قالت عنها: "أخبروني أنها فكرة مستحيلة، حتى الرجال لن ينجحوا فيها". بدأتها بعام 1925 في متواليات تتبع نفس الموضوع على مستويات مختلفة من الشوارع وناطحات السحاب، كانت تسكن مع ستقليتز بعد زواجها منه في الدور 30 والمدينة تحتها، وقالت عنها: "ليس من المعتاد للفنان أن يعمل فوق سطح فندق كبير في قلب مدينة تصرخ وتجأر طوال الوقت، لكني أعتقد أن هذا هو بالضبط ما يريده فنان اليوم ليستولد مشاعره، المدينة اليوم شيء آخر، أكبر وأكثر طحنا وتعقيدا عن زمنها الماضي".

توقفت عن رسم مباني نيويورك عام 1929، بعد انهيار سوق "الوول ستريت".

وبدأت مرحلة الألوان، فقالت عنها: "أتمنى أن ترى الأماكن هنا، هناك شيء من الكمال في هذه الجبال والبحيرة والأشجار، أحيانا أتمنى تقطيعها إلى قطع صغيرة، تبدو في غاية الكمال، في جمالها الحقيقي".

وأخذت في رسم المناطق البرية الريفية لبحيرة جورج من الولاية العليا لنيويورك والكوستال من كندا، حيث انعكست البحيرة في أعمالها التجريدية المسماة بالزرقاء والوردي والأخضر عكست فيها نعومة اللون في البحيرة ودفء اللون الأحمر في التفاح وأوراق الخريف.

وكانت هناك علاقة واضحة بين رسوماتها وصور الفرد ستقليتيز في أعمال السحاب، والحظائر وأوراق التفاح، لكنها في كل مرحلة تدخل بروح ومنظار جديدين لها.

back to top