في تطور لا تخطئه عين، انشغل الروس بعملين في سورية، أولهما حملة انتقام شبه يومية مركزها إدلب، وثانيهما مزاحمة الأميركيين في صراع نفوذ انطلق من دير الزور، وهي جبهات لم تعد تعني شيئاً بالنسبة إلى الرئيس بشار الأسد وحلفائه في إيران و«حزب الله»، الذين تستنزفهم معركة طويلة الأمد في حلب حشدت لها فصائل المعارضة كل الإمكانات لحسمها.

ومنذ خسارة سلاح الجو الروسي مطلع هذا الشهر مروحية من طراز «مي-8» في سراقب بريف إدلب وطاقمها المكون من 5 عسكريين بينهم ضابطان، لم تغب الغارات الروسية يوماً عن قصف هذه المحافظة الواقعة بالكامل تحت سيطرة تحالف «جيش الفتح» بقيادة جبهة «فتح الشام» (النصرة سابقاً) وشريكتها حركة «أحرار الشام»، بل أطلقت معركة منفصلة عن دعم الأسد سمّتها وزارة الدفاع عملية «الانتقام»، على غرار معركة جانبية مماثلة نفذتها في تدمر بحمص رداً على تمكن تنظيم «داعش» من استهداف مروحية هجومية، وقتل طيارَيْن كانا على متنها مطلع يوليو الماضي.

Ad

ورغم بدء الفصائل هجومها الواسع في جنوب غرب حلب نهاية الشهر الماضي، عكست الطائرات الروسية هوى النظام وكثفت غاراتها بشكل غير مسبوق على مناطق عدة في إدلب، مما أسفر عن مقتل 200 مدني، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي وثقت أيضاً هجومين بغاز الكلور في منطقة سقوط الطائرة الروسية.

وفي إطار لعبة فرض النفوذ ومزاحمة واشنطن وحلفائها، مدت موسكو عملياتها لتشمل دير الزور أكبر مدن الشرق السوري، حيث بدأ تشكيل حديث يعرف باسم «جيش سورية الجديد» عمليات نوعية انطلاقاً من مدينة البوكمال الاستراتيجية الحدودية مع العراق بدعم كبير من القوات الخاصة الأميركية والبريطانية.

وفي آخر هذه العمليات، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، تنفيذ 6 قاذفات بعيدة المدى من طراز «تو - 22 إم 3» ضربات مركزة على مواقع جنوب شرق وشمال شرق بدير الزور الواقعة تماماً تحت سيطرة تنظيم «داعش» باستثناء أجزاء من حاضرتها ومطارها العسكري، مؤكدة أنها «دمرت مركزين قياديين وستة مستودعات أسلحة وآليات وقتلت عدداً كبيراً من المقاتلين».

ورغم تجاوز حليفي دمشق خلافات ظهرت إلى العلن مع تأكيد وزارة الخارجية الروسية أن بقاء الأسد في السلطة ليس حتمياً بالنسبة إلى روسيا، في خطوة عززت شكوك قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري في نوايا الرئيس فلاديمير بوتين من حملته على سورية، فإن الغياب الأبرز للغطاء الجوي الروسي عن دعم قوات النظام والميلشيات الإيرانية تسبب في أكبر خسارة بحلب، تمثلت في فك طوقها على الأحياء الشرقية، والذي كان سيدفع في حال تثبيته فصائل المعارضة إلى الرضوخ أو ربما القبول بتسوية مماثلة لأخرى حدثت في حمص العام الماضي بوساطة الأمم المتحدة، وتضمنت وقف إطلاق النار، وخروج المسلحين وعودة مؤسسات النظام. في الأثناء، دخلت قوات الأسد وميليشيات «الحرس الثوري» و»حزب الله» في حرب استنزاف لن تتمكن من حسمها في ظل عدم وجود رغبة روسية واضحة وجلية لإنقاذ النظام من مصيره المحتوم.

وبادرت موسكو مرات عدة لفرض أكثر من «نظام تهدئة» من جانب واحد في خضم المعارك، معظمها كان يسير إلى مصلحة النظام وشركائه، تزامناً مع استدعاء وزير خارجيتها سيرغي لافروف اسطوانة الحل السوري- السوري، واستئناف محادثات «جنيف».

وتدور في حلب حالياً معارك هي الأكثر عنفاً وأهمية منذ انقسام المدينة التاريخية قبل أربعة أعوام بين أحياء شرقية يقطنها نحو 300 ألف مدني تحت سيطرة فصائل المعارضة، وغربية يعيش فيها أكثر من مليون و200 ألف موال للنظام.

ومع احتدام المواجهة، التي وحدت فصائل المعارضة وحشدت لها كل قواها، أقرت طهران ببلوغ حصيلة قتلاها 400 مقاتل بينهم قادة من الصف الأول في الجيش الإيراني، وعناصر من قوات النخبة، بحسب إحصاء جديد نشرته أمس وكالة الأنباء الرسمية «إرنا» الإيرانية. وفي خسارة هي الأعلى خلال فترة زمنية وجيزة منذ حسم قيادته أمرها في نهاية 2012 بالوقوف إلى جانب الأسد، نعى «حزب الله» مئات المقاتلين وآخرهم دفعة جديدة أمس مكونة من 8 عناصر في ريف حلب الجنوبي.