هل يفوز ترامب بتأييد «الخُضر»؟
كانت السياسات بشأن المناخ في عهد أوباما أفضل كثيرا منها في عهد بوش، إذ ساعدت سياسات أوباما في تمكين إتمام اتفاق باريس بشأن المناخ في ديسمبر الماضي، وهذا غير كاف بكل تأكيد، لكنه أفضل كثيرا من أي شيء من المرجح أن يقوم به ترامب.
أجل، أنا من الخُضر، وكنت مرشح حزب الخُضر الأسترالي مرتين لمقعد في البرلمان الفدرالي في أستراليا، ولكن في الثامن من نوفمبر، ربما يصبح كل الخير الذي قدمته حركة الخُضر السياسية منذ تأسيسها بلا وزن بفِعل تصرفات حزب الخُضر في الولايات المتحدة إذا أدت تصرفات مرشحة الحزب للرئاسة هناك جيل شتاين إلى انتخاب دونالد ترامب.وقد شهدنا ظروفا مماثلة من قبل، ففي عام 2000 كان آل غور سيتمكن من الفوز بمنصب الرئيس لو فاز في فلوريدا، ولكن فاز جورج دبليو بوش بولاية فلوريدا بفارق 537 صوتا فقط، في حين ذهبت أصوات 97241 من مواطني فلوريدا إلى رالف نادر مرشح حزب الخُضر، وفي وقت لاحق كتب نادر على موقعه على الإنترنت: "في عام 2000، أفادت تقارير استطلاع الخارجين من مراكز الاقتراع أن 25% ممن أعطوني أصواتهم كانوا سيصوتوا لبوش، وكان 38% منهم سيصوتون لغور، وما كان بقيتهم ليصوتوا على الإطلاق". وبتقسيم الأصوات التي حصل عليها نادر على هذا النحو، يتبين لنا أنه لولا وجوده في السباق لكان غور سيفوز بولاية فلوريدا بفارق يتجاوز 12 ألف صوت.قبل الانتخابات، قامت مجموعة من الناشطين السابقين في دعم نادر بنشر خطاب مفتوح يدعوه إلى إنهاء حملته: "لقد بات من الواضح الآن أنك قد تعطي البيت الأبيض لبوش"، ولكن نادر رفض قائلا إن الفارق لم يكن كبيرا بين مرشحي الحزبين الرئيسين.
ونحن نعلم الآن كم كان ذلك بعيدا عن الصواب، فلو لم يكن نادر مرشحا في فلوريدا فإن الولايات المتحدة كانت ستنتخب أقوى الدعاة على الإطلاق لاتخاذ إجراءات عاجلة بشأن تغير المناخ، وبالفعل في عام 1992 ساق غور الحجج لمصلحة هذه الأجندة في كتابه "الأرض في الميزان".وفي منصب نائب الرئيس وقَّع غور فضلا عن ذلك بالنيابة عن إدارة الرئيس بِيل كلينتون على بروتوكول كيوتو، أول محاولة دولية جادة للحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي، وعلى النقيض من هذا، رفض بوش البحوث العلمية بشأن تغير المناخ، وسحب توقيع بلاده على بروتوكول كيوتو، ودأب طوال ثماني سنوات فعليا على نسف الجهود الدولية الرامية إلى حل المشكلة.كما اتخذ بوش العديد من القرارات الكارثية الأخرى، وكان أبشعها بطبيعة الحال غزو العراق بلا مبرر أو ضرورة، ولا يزال العالم يتصارع مع العواقب المترتبة على زعزعة الاستقرار في تلك المنطقة.بعد ذلك ربما يتصور المرء ألا أحد قد يستخدم حجة "عدم وجود فارق" مرة أخرى، وبكل تأكيد ليس في انتخابات بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون! فكلينتون لن تكون أول رئيس أميركي أنثى فحسب، إنما هي أيضا ناشطة قديمة في الدفاع عن حقوق النساء، والتأمين الصحي، والسيطرة على السلاح، وفي كلمة ألقتها في مناسبة قبول ترشيح الحزب الديمقراطي لها قالت: "أنا أؤمن بالعِلم، وأؤمن بأن تغير المناخ حقيقة".في المقابل نشر ترامب تغريدة قال فيها: "لقد أنشئ مفهوم الاحتباس الحراري العالمي بواسطة الصين ولمصلحتها في محاولة لجعل التصنيع في الولايات المتحدة غير قادر على المنافسة". وفي وقت لاحق وصف ذلك التصريح بأنه كان مزحة؛ لكنه قال أيضا، ليس في تغريدة ولكن في خطاب مهم حول السياسة الاقتصادية، إنه يعتزم "إلغاء اتفاق باريس للمناخ" و"التوقف تماما عن دفع دولارات الضرائب الأميركية لبرامج الأمم المتحدة الخاصة بالاحتباس الحراري الكوكبي". مع ذلك، وعلى نحو لا يصدق، كررت شتاين كلام نادر نفسه في عام 2000، فأجابت رداً على سؤال حول ما إذا كانت احتمالات فوز ترامب بمنصب الرئيس مساوية لاحتمالات فوز هيلاري كلينتون به: "كل منهما يقودنا إلى المكان نفسه". ثم أضافت: "إن الديمقراطيين يقدمون رواية أفضل... لكنهم لا يقلون كارثية"، وأضافت تأييدا لكلامها: "ما عليكم إلا أن تنظروا في سياسات تغير المناخ في عهد أوباما".الواقع أنني أنظر الآن وأرى أن السياسات بشأن المناخ في عهد أوباما كانت أفضل كثيرا منها في عهد بوش، فقد ساعدت سياسات أوباما في تمكين إتمام اتفاق باريس بشأن المناخ في ديسمبر الماضي، وهذا غير كاف بكل تأكيد، لكنه أفضل كثيرا من أي شيء من المرجح أن يقوم به ترامب، ونظرا للأغلبية الجمهورية في الكونغرس الأميركي، فقد يكون بوسعنا أن نزعم أن أداء أوباما كان حسنا.ولكن هل يعيد التاريخ نفسه؟ أظن أن ترامب قد يكون رئيسا أسوأ حتى من جورج دبليو بوش؛ لذا أتمنى ألا يعيد التاريخ نفسه، لكن اسم شتاين على ورقة الاقتراع في فلوريدا وأوهايو، وكل منهما ولاية كبيرة وربما تقرر نتيجة الانتخابات، وقد أعطى استطلاع رأي حديث شتاين 3% من الأصوات، وهو ما يكفي لإحداث الفارق في أي من الولايتين.وأنا أدعو قادة حزب الخُضر في مختلف أنحاء العالم إلى مطالبة شتاين بالانسحاب من الاقتراع في الولايات، فمن المحتمل أن تكون الأصوات متقاربة، وإذا لم تفعل فيتعين عليهم أن يمارسوا تأثيرهم على الناخبين، وأن يطلبوا منهم، في هذه الانتخابات فقط، عدم التصويت لمرشح حزب الخُضر، فالمخاطر جسيمة.الواقع أنني أدرك أهمية تغيير نظام الحزبين، ولتحقيق هذه الغاية يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل على إصلاح نظام التصويت، ولا ينبغي للخُضر أن يعملوا على انتخاب رئيس أخضر، وهو أمر مستحيل في ظل النظام الحالي، بل عليهم أن يعملوا على تأسيس نظام انتخابي أكثر عدلا، ربما مثل النظام الأسترالي، الذي يستخدم ما يُعرَف في الولايات المتحدة باسم "جولة الإعادة الفورية"، حيث يرتب الناخبون المرشحين حسب تفضيلهم، وإذا لم يحصل أي مرشح على أغلبية الأصوات التي أدلى بها المرشحون، يُستَبعَد المرشح الحاصل على العدد الأقل من الأصوات. وبعد ذلك يجري نقل الأصوات التي حصل عليها المرشح المستبعد وفقا للتفضيل الثاني على أوراق اقتراع أولئك الذين صوتوا لمصلحته.في الانتخابات الحالية، يصبح بوسع ناخبي شتاين، وفقا للنظام الأسترالي، أن يدلوا بأصواتهم لمصلحة مرشحهم من دون الشعور بالقلق من أن يستفيد من اختيارهم ترامب، الذي يفترض أنه لن يكون الاختيار المفضل الثاني في نظر هؤلاء الناخبين، وإذا طبقت الولايات المتحدة مثل هذا النظام، فما كنت لأكتب هذا العمود.* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري بجامعة ملبورن. ومن بين مؤلفاته كتاب "تحرير الحيوان"، و"الخُضر" (مع بوب براون)، و"عالَم واحد"، وكتاب "أعظم الخير الذي يمكنك تقديمه".«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»
ربما يصبح الخير الذي قدمته حركة الخُضر السياسية منذ تأسيسها بلا وزن بفِعل تصرفات حزب الخضر في الولايات المتحدة