العرب... بين أنقرة وإسطنبول (1-3)
قارن بعض الكتّاب والإعلاميين في الصحافة العربية انقلاب 15/ 7/ 2016 التركي بمثيلاته في التجارب العربية، وتأمل البعض نظرة العرب إلى إردوغان كقائد وزعيم وربما كخليفة، وحاول البعض الآخر استخلاص العبر والدروس. تساءل الأديب والكاتب السعودي "محمد المزيني"، منتقدا الإسلاميين العرب الذين مضوا يمجدون الرئيس التركي بلا حساب، "كيف يفكر إردوغانيو الخليج"، وقال: "أكاد أجزم أن الرئيس إردوغان لديه قدرة إعلامية فذة إلى جانب حنكته السياسية في تسويقه لمواقفه وآرائه تلك التي ألهبت قلوب ملايين المسلمين، وجيشت عواطفهم تجاهه، وهو حق طبيعي مكتسب لكل زعيم يريد حشد الرأي العام لمصلحته، مثله مثل كل الزعماء الحقيقيين، إنما نقطة الخلاف هي متى رفع هذا الإعجاب إلى درجة العقيدة التي يؤمن بها الإنسان ويكفر من أجلها كل معارضيه ويتهمهم بالخيانة". (الحياة 3/ 8/ 2016).
وتابع الكاتب تساؤلاته: لمَ لمْ نر من هؤلاء الفرحين بهزيمة الأحزاب العسكرية التركية، الفرح نفسه بهزيمة فلول الإرهاب الداعشي وبتر أياديه وأقدامه من داخل أوطاننا؟ فسَّروا لنا ما سر عودة الاحتشاد الإخواني في شبكات التواصل الاجتماعي تصفيقا وتطبيلا لإردوغان؟ ما الفرق بينكم وبين داعش الذي يدعي الخلافة؟
العرب وتقديس الزعامات البارزة
الإعلامي البارز عبدالرحمن الراشد كتب في الشرق الأوسط أحد تأملاته العميقة حول يأس الجمهور في العالم العربي وضياعه، فقال: "ليس غريبا ولا جديدا، أن يؤيد الكثير من العرب زعيما أجنبيا أو إقليميا، لأسباب مختلفة. رئيس مصر الراحل جمال عبدالناصر، زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني، رئيس العراق الأسبق صدام حسين، وغيرهم، وحاليا هناك حماس للرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي، مثل سابقيه، وجد نفسه زعيما لبعض العرب رغم أنهم لا يتحدثون لغته التركية.المشترك بين المتعصبين لرموزهم هذه من خارج بلدانهم أنهم من جنسيات عربية مختلفة، بعض العرب يناصر قائده الرمز منتميا إلى التيار نفسه، كانوا اشتراكيين وعروبيين وراء عبدالناصر، إسلاميين وراء الخميني، بعثيين وعروبيين وراء صدام، وحاليا إسلاميين وراء إردوغان، وبعض العرب المتحمسين يؤيد زعماء من خارج بلده للتعبير الصامت ضد حكومته التي ربما لا يجرؤ على المجاهرة برأيه ضدها". (21/ 7/ 2016).قلة من هؤلاء المهللين يعون توازنات تركيا ومصالحها، ومخاطر الزعامة الفردية المستبدة على مستقبل تركيا ومكانتها، وعلى دورها كتجربة ديمقراطية متميزة وعلمانية يتيمة في العالم الإسلامي، فما يريده الإسلاميون العرب من تركيا هو الانتقام من الولايات المتحدة وأوروبا، والعودة إلى سياسة الخلافة والفتوحات إن أمكن! الأستاذ الراشد أضاف: إن هذه الغوغائية وموجات التعصب قد تكون أخطر على إردوغان من خصومه. وقال: "إردوغان سياسي منتخب ويملك شعبية حقيقية في بلاده، وله نجاحات اقتصادية لا يشك فيها، وإسلام إردوغان الذي يبشر به معتدل ولا علاقة له بإسلام أتباعه العرب والمعجبين فكرا وتطبيقا، ولأنهم لا يفهمون هذه التفاصيل يرسمون عن إردوغان صورة مختلفة أقرب إلى مشايخ التطرف في الخليج ومصر والأردن. في نهاية المطاف سيصدمون ويعيشون خيبة أخرى من خيبات التاريخ الكثيرة التي عاشتها الأجيال الحاضرة، ثم يبدؤون التفتيش عن زعيم آخر يرفعون صوره".أهواء العرب لم تكن سياسية في الابتهاج ببشائر انتصارات الرئيس إردوغان، فيما يوحي الأستاذ الراشد، وكما يحلل الكاتب "نديم قطيش" في الصفحة نفسها مجريات الأمور، 22/ 7/ 2016: فالأسوأ أنها كانت كذلك طائفية! "الفارق الجوهري، أن العاطقة تجاه إردوغان في المشرق، حيث ساحات الحرب الأهلية السنية - الشيعية الأعنف، صدرت عن هوية سنية عامة لا هوية حزبية إخوانية أو قيمية ديمقراطية".المشكلة في تحليل "قطيش"، أن "سنّة المشرق تبحث عن زعامة" لأن سنة المشرق "طائفة مقطوعة الرأس"! ملك الأردن عبدالله الثاني "لا يملك الرغبة أو ربما القدرة على توسيع زعامته خارج القيادة الدقيقة للأردن". رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري "مكبل بأزمات عامة وخاصة لا حصر لها، لا تزال تمنع انبثاق الحريرية بنسخة مستعادة شكلت في الماضي قيادة جامعة لسنة لبنان وسورية". الفراغ السني على الصعيد الزعامي لا تسده "الحيوية الخليجية المستجدة بقيادة السعودية، لأسباب تتعلق بالأولويات الاستراتيجية الخليجية الضاغطة في اليمن والبحرين. في العراق لم ينتج الاجتماع السني شخصية أو حزبا أو مكونا سنيا استطاع الموازنة مع المكون الشيعي، بل يمكن القول مع بعض التشاؤم، إن الحرب وما تلاها ألغت عمليا المكون الاجتماعي السني في العراق".الوضع العراقي وترديه ربما أكثر من أسباب أخرى، فتح المجال للبحث عن زعامة سنية مؤثرة، ففي العراق، يقول قطيش: "نحن أمام محافظات سنية هجرت عن بكرة أبيها ومدن وحواضر سنية أفرغت من سكانها، فيما يقبع الشطر العراقي السني الأكبر في الموصل تحت وصاية كيان داعش، ومع الانكفاء العربي عن العراق كانت تركيا هي المحجة والإردوغانية هي الحاضنة إما للمكونات الحزبية الدينية، كنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي أو الأمين العام لهيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضاري الذي توفي للمناسبة في إسطنبول، وإما السنية السياسية ممثلة بأسامة النجيفي وآخرين وإما للمكون العرقي كتركمان الشمال العراقي".العرب والربيع التركي
بعد إعلان وكالات الأنباء عن المحاولة الانقلابية، كتب "جمال بنون"، في الحياة 18/ 7/ 2016، أن أحد الإعلاميين غرد في "تويتر" قائلا: "الجيش خرج لخدمة الشعب"! فقال بنون في مقاله "كيف تابع العرب أحداث تركيا": "من تابع التغطية التلفزيونية للقنوات العربية وطريقة تحليلها سيعرف أن قراءة الأحداث لم تكن حاضرة لدى معظم الضيوف الذين خرجوا للتحليل، بل حتى الصورة المباشرة في تحليلها كانت غير واضحة سواء في التعليق عليها أم تفسيرها. الكثير من المحللين ذهب في تحليله إلى أن مشهد الربيع العربي يحضر من جديد من خلال استيلاء الجيش، بعضهم شطح بخياله إلى أحداث مصر وتونس. سأل مذيع أحد ضيوفه إن كان الرئيس التركي إردوغان سيظهر ليدلي بحديث للشعب أم أنه سيبقى مختفيا عن الأنظار، فيرد الضيف أن الرئيس التركي هرب إلى الخارج، وسيعلن الجيش خلال ساعات بيانه الأول وإعلان تشكيل حكومة جديدة.الواقع أن التغطية الإخبارية للانقلاب الفاشل في تركيا كانت تنقل بعقلية عربية، اعتمادا على واقع الربيع العربي، وليس من واقع المجتمع التركي الذي عاش تجربة الانقلابات في العصر الحديث أكثر من خمس مرات، بدءا من مايو 1960".(يتبع غداً)