لطالما نظرنا إلى الأحداث التاريخية لنستقي منها ملامح مستقبل المنطقة، فنجد أخطاء قد ارتكبناها، ونبحث عن طرق لتفاديها من خلال أنماط إيجابية في سلوكيات الدول والأفراد فنستقي منها العبر.

أقول ذلك بعد قراءتي جزءا بسيطا من معاهدات القرن التاسع عشر أثناء مرور منطقة الخليج بفترة من الصراع الإقليمي، بعيون نظرت إلى مصالحها غير عابئة برغبة الشعوب في التطور والازدهار، وأياد عزفت على الأوتار الدينية، فانتهى الصراع بولادة معاهدات بسيطة استطاعت أن توقف العنف وتمنع الحرب ولو لفترة محدودة، دون الحاجة لمعلبات التشويق الإعلامي الخاصة بانعقاد المؤتمرات للتوصل للحلول والتصريحات والشجب وغيرها، وقد اخترت من تاريخ النزاعات في المنطقة فترة النزاع بين الطرف الفارسي والتركي العثماني.

Ad

فمنذ أن انطلقت الخلافات بين الدولة العثمانية والفارسية تأثرت بالتنافس الدولي بين بريطانيا وروسيا، وسط العديد من التكهنات حول مستقبل النزاع والملامح الخاصة بسلوكيات الدول المجاورة لمنطقة الخليج العربي، والتي تمثلت بالنقاط التالية:

أولا، محور الصراع دار آنذاك حول الدول المجاورة ذات الموارد الغنية، وفي تلك الأيام قيست الموارد بالمزارات الدينية؛ مما أثار رغبة لدى الفرس في تملكها والهيمنة عليها لما لها من قيمة دينية وسياسية معاً، واختارت تركيا العثمانية النظر بحذر وترقب للمنطقة.

ثانيا، التدخل في شؤون دول الجوار وإثارة الأقليات، وقد اشتعل الصراع بين فارس والدولة العثمانية ثانية آنذاك بسبب إثارة الأولى للأقليات الكردية في العراق.

ثالثا، وجود اللاعب الدولي الذي ينظر للمنطقة بعين المصالح الشخصية والرغبة في الاستقرار في آن واحد، وكان في ذلك الوقت بريطانيا وروسيا، وبعد مرور الصراع الإقليمي الفارسي التركي بفترات من الأمراض تارة والحروب الحدودية تارة أخرى انتهت الأحداث بتوقيع اتفاقية جمعت جميع الأطراف، وهي معاهدة أرزروم أو أرضروم عام 1821.

ومعاهدات ذلك الوقت رغم غياب الدبلوماسية المنظمة والأحلاف التعاونية الدولية والمنظمات الدولية الرسمية عنها، جاءت بنودها بشكل مبسط لتضم العشائر القاطنة على حدود البلدين بأسمائها وأوضاع أهل المال والأعمال التجارية بأنواعها والسياحة الدينية إلى الأماكن المقدسة.

ما سبق أخي القارئ كان جزءاً بسيطاً من النزاعات التي دارت بالمنطقة وسبل حلها، والتي أظهرت لنا بعد مراجعتها اليوم أن ملامح النزاع الإقليمي في المنطقة، والنظر بعين المصالح والعبث بالطائفية الدينية والعرقية، لم تكن وليدة اللحظة، إنما هي جزء من البناء الإقليمي لمنطقة الخليج وجوارها.

كلمة أخيرة:

اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بهجة بفوز أبطال الكويت العائدين من أولمبياد البرازيل، وانتشرت معها كلمات كالجهد الفردي والاحتراف خارج أنظمة الرياضة وأنديتها التي أكل عليها الدهر المبالغ الباهظة وشرب، والدرس الذي استقيناه من البطولات الفردية هو حاجتنا لتقدير المواهب الفردية دون تغليظ العصا البيروقراطية، وفي ذلك السياق الحزين أذكر الشاب الكويتي الطالب بكلية الهندسة الذي امتلك الخبرة المذهلة في علوم البرمجة التقنية، ولم يتعلم البرمجة بشكل رسمي ليرضي مؤسساتنا التعليمية البيروقراطية، إنما تعلم في معاهد متواضعة.

لم يستطع هذا الشاب الاستمرار بعمله أثناء دراسته لأنه مخالف للقانون، فخرج غاضبا ولم أره منذ ذلك الحين حتى استلم جائزة الشيخ سالم العلي، فأدركنا أننا خسرناه بسبب البيروقراطية، واستعاد ثقته بنفسه بعدما استلم الجائزة.