كل ما يقال عن حل للأزمة السورية بات قيد التنفيذ وأصبح يقف على الأبواب لا يمكن تصديقه، ولا يمكن اعتباره جدياً ما لم تعلن الأطراف المعنية التزامها الكامل، وعلى أساس جدول زمني محدد وواضح، بـ "جنيف 1" والمرحلة الانتقالية، وما لم توقف روسيا حربها الجوية على الشعب السوري والمعارضة السورية، وأيضاً ما لم تبدأ إيران سحب حراس ثورتها وميليشياتها المذهبية وجيوشها وجنرالاتها من هذا البلد، وتغادر بلا قيد أو شرط، وبلا أي مطالب رئيسية أو ثانوية.

وهنا فإن المهم ليس أن تحدد تركيا ثلاثة سيناريوهات للحل المنشود لهذه الأزمة المستفحلة والتي استطالت كثيراً وأكثر من اللزوم، بل أن تقبل الأطراف الفاعلة الأخرى، روسيا وإيران والولايات المتحدة، وأيضاً المعارضة السورية ومعها الدول العربية المعنية، بهذه السيناريوهات الثلاثة، التي لو جرى التدقيق فيها لثبت أن ما يهم "الأشقاء" الأتراك بالدرجة الأولى هو عدم قيام دولة كردية سواء حدودية أو داخل الأراضي التركية يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني – التركي (p.k.k) الذي أنشأته المخابرات السوفياتية (كي. جي. بي)، بالتعاون مع المخابرات السورية في عهد حافظ الأسد لـ "مشاغلة" حلف شمالي الأطلسي، وللتنكيد على تركيا العضو المؤسس في هذا الحلف الذي كان يقابله على الجهة الأخرى حلف وارسو، والذي تلاشى بعد سقوط الأنظمة الشيوعية وأصبح نسياً منسياً.

Ad

إنه من حق تركيا أن تركز على مشكلاتها الخاصة، وأن تنظر إلى أي حل من ثقب الحرب الاستنزافية التي يشنها عليها حزب العمال الكردستاني - التركي، ولسنوات طويلة بدعم سابق ولاحق من روسيا الشيوعية وروسيا الاتحادية، ومن هذا النظام القائم في دمشق وفي عهد الوالد والولد.

لكن ما يجب أن يأخذه الرئيس رجب طيب إردوغان بعين الاعتبار هو أنه لا يمكن التخلص من هذا الحزب الذي كان ولايزال "بندقية للإيجار"، إلا بالتخلص من بشار ونظامه، وإخراج القوات الروسية من الأراضي السورية، وقطع دابر الإيرانيين، وإنهاء أي وجود لهم في دولة كانت وستبقى بعداً حيوياً للدولة التركية وفي أي عهد.

وفي حواره الأخير مع صحيفة "قرار" التركية، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم: "إن الحل في سورية قد اقترب"، وحقيقة مثل هذا الكلام الذي يفيض تفاؤلاً أكثر من اللزوم أصبح يتردد على مدى أكثر من خمسة أعوام عجاف هي عمر الأزمة السورية، لكن هذه الأزمة بقيت تسير في خط تصاعدي، وتزداد مأسوية وتعقيداً، إلى أن أصبحت الأمور على ما هي عليه الآن، وأصبحت الأوضاع "فالج لا تعالج".

ثم إن يلدريم قال في الحوار نفسه إنه لن يتم إنشاء دولة في المرحلة الجديدة تستند إلى سيادة أحد المكونات المذهبية أو العرقية أو الإقليمية، وأنه متى تشكلت دولة في سورية لا تستند إلى مذهب معين، فهذا يعني أن الأسد سيرحل "في المدى الطويل".

وهنا فإن المشكلة ليست في الأقوال بل بالأفعال، وهكذا فإن السؤال الذي يجب أن يوجه إلى رئيس الوزراء التركي هو: هل تقبل إيران بإقامة دولة غير مذهبية في هذا البلد؟ وهل تقبل روسيا بإقامة مثل هذه الدولة من دون قواعدها العسكرية؟ وبالتالي هل سيقبل الرئيس السوري بالرحيل؛ سواء على المديين القصير أو الطويل؟!