تدخل معركة نينوى، آخر المعاقل المهمة لتنظيم «داعش» في العراق، مرحلتها الثالثة، ويبدأ الأمر بما يدعو لتفاؤل الخبراء العسكريين والأطراف السياسية، فقوات البيشمركة الكردية التي ظلت تعاني أزمة مالية خانقة منذ شهور، تسلمت كما قيل، منحة بنصف مليار دولار بموجب اتفاق مع واشنطن لدعم الحرب وحث الإقليم الشمالي على دعم العاصمة، ما انعكس على التنسيق بين بغداد وأربيل بشأن المعارك التي بدأت بتطويق الموصل من ثلاث جهات، وإبقاء الجانب الغربي نحو سورية مفتوحاً نسبياً للسماح لعناصر «داعش» بالانسحاب، ثم معاجلتهم عبر الطلعات الجوية المشتركة.

ويشاهد الناس في أطراف أربيل قطاعات تابعة للتحالف الدولي والجيش العراقي وهي تستخدم شوارع البلدات الكردية أثناء اتجاهها نحو قواطع العمليات، ترافقها قوات البيشمركة، وتقول المصادر إن القلق من حصول خلافات بين الأكراد وبغداد بقي مهيمناً لشهور أثناء المناقشات الجارية بشأن معركة الموصل، لكن جهوداً حثيثة تضمنت دفع «البنتاغون» مرتبات المقاتلين الأكراد، هيأت الأجواء بنحو أفضل للعمل المشترك بين قوات متنوعة تضم إلى جانب جيش الإقليم الكردي وقوات بغداد، قطاعات من أهالي نينوى وعشائرها، ونوعاً من الإسناد الذي لم يتضح حجمه من قوات الحشد الشعبي التي يوالي بعضها طهران، لكن وجود الأكراد والتحالف الدولي بقيادة أميركا سيمنح ضماناً معقولاً، للحفاظ على القدر الضروري من التنسيق في معركة يعتقد أنها فاصلة، وقد تمتد إلى الشتاء المقبل تزامناً مع الانتخابات الرئاسية الأميركية.

Ad

وتتوغل القوات المشتركة شمالاً محررة عشرات القرى والبلدات كل أسبوع، لكن الأمر أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من سكان مناطق الحرب، مازالوا يعيشون أوضاعاً صعبة في العراء، دونما توفر أموال كافية لإغاثتهم وسط الأزمة المالية لبغداد، وانهيار أسواق البترول، لذلك فإن مصادر عسكرية تقول إن الجيش سيتجنب مؤقتاً دخول المدن الكبيرة الواقعة على الطريق إلى الموصل، وسيكتفي بتطويقها وعزلها أو «تقطيع أوصال الأفعى» على حد تعبيرهم، خشية تدفق نحو نصف مليون مدني يعيشون هناك.

ومازال «داعش» يمتلك قدرة لا يستهان بها على إيقاع الخسائر في صفوف القوات العراقية بواسطة الهجمات الانتحارية، غير أن مصادر مقربة من قواطع العمليات بدأت تتحدث عن تطوير لأساليب الحرب، آخرها الانتهاء من تدريب كتيبة قناصين مشتركة بين البيشمركة والمقاتلين العرب وضباط التحالف الدولي، تقوم بإنزال جوي في عمق معاقل التنظيم لتنفذ اغتيالات تستهدف مسؤولين وقادة ميدانيين مهمين فيه، فضلاً عن تطور لاحظته قوات التحالف في أداء سلاح الجو العراقي، وقدرة بغداد على تعويض متواصل للخسائر في صفوف قوات النخبة، بفضل تكثيف حلف الناتو التدريبات للمتطوعين الجدد في شمال البلاد ووسطها.

وحين تبدو معظم المؤشرات جيدة، فإن القلق يأتي من احتمال أن تتأثر العمليات بأزمة الاتهامات المتبادلة بالفساد بين وزير الدفاع خالد العبيدي ورئيس البرلمان سليم الجبوري، حيث اتخذت شكل الهجوم والهجوم المضاد، بسلسلة من الفضائح المالية و«البوح» غير المسبوق وتسريب تسجيلات صوتية أثارت السخط العام، فضلاً عن صدور أوامر اعتقال بحق المقربين من الطرفين، كما أن هناك جلسة برلمان تعقد الثلاثاء المقبل للتصويت على الثقة، وإذا لم تحصل تسوية جادة فإنه من المرجح أن يخسر الوزير منصبه، ثم ترفع القضية إلى المحكمة الاتحادية وتتعقد جداً، إلا أن غرفة العمليات المشتركة، كما تأمل مصادر مقربة منها، «صممت كي لا تتأثر بأي اختلال في الحكومة أو الخريطة السياسية للبرلمان»، في بلاد اعتادت خوض أخطر معاركها وسط انهيارات يعتاد عليها العسكر والمدنيون في آن واحد.