عكست عدة تحركات قامت بها روسيا وإيران مؤخراً مساراً يسعى خلاله البلدان إلى احتواء النفوذ التركي المناهض لهما في سورية، عبر اتخاذ خطوات منسقة ومرتبة، ومنح أنقرة تطمينات بشأن مصالحها الحيوية، وأمنها القومي المهدد في ظل دعم الولايات المتحدة لفصيل سوري كردي قرب حدودها مع جارتها.

وزار نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف طهران الأحد الماضي، والتقى وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف ومساعده لشؤون الشرق الأوسط جابري أنصاري، قبل أن يتوجه إلى الدوحة للقاء خاص غير رسمي مع بعض المعارضين السوريين المقيمين في قطر.

Ad

وبعد لقائه مع بوغدانوف، أعلن أنصاري، أن هناك تنسيقاً جارياً بين إيران وروسيا وتركيا للقاءات مشتركة تهدف إلى التعاون لحل الأزمة السورية.

وكانت تقارير تداولتها صحف إيرانية ودولية أفادت بأن هناك تحركات لعقد لقاء قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيريه التركي رجب طيب إردوغان، والإيراني حسن روحاني في طهران.

وما عزز هذه التقارير أن أنصاري رفض تأكيد أو نفي صحتها، خلال مؤتمر صحافي عقب لقاء بوغدانوف.

وبحسب مصادر دبلوماسية روسية خاصة لـ"الجريدة"، فإن بوغدانوف زار إيران ليتلقى تقريراً عن نتيجة زيارة ظريف لأنقرة التي قام بها مؤخراً، حيث إن إيران وروسيا باتتا تنسقان كل خطوة بخطوة بالنسبة للشأن السوري والعلاقات المستجدة مع تركيا بشكل دقيق جداً، فقبل لقاء بوتين وإردوغان نسَّق الرئيس الإيراني ونظيره الروسي حول محور البحث في لقاء قمة سان بطرسبورغ، الذي أنهى القطيعة بين أنقرة وموسكو على خلفية إسقاط تركيا لمقاتلة روسية فوق الحدود السورية- التركية.

ولاحقاً، نسّق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع ظريف قبل زيارة الأخير لأنقرة وأطلعه على ما تم بحثه في لقاء القمة بين الرئيسين الروسي والتركي، ليتوجه ظريف في نفس الخط المشترك.

وأضافت المصادر أن أحد المواضيع، التي تم الاتفاق عليها، هو إعطاء ضمانات لبعض المعارضين السوريين، ممن يدينون بالولاء لقطر وتركيا، من روسيا وإيران ليخرجوا من المعارك المقبلة بطرق سلمية ومفاوضات سياسية، ويكون لهم دور بالحكومة المقبلة في سورية، وكان هذا أحد مطالب أنقرة لتغيير موقفها من الحرب السورية.

ولفتت المصادر الروسية إلى أن الأتراك طلبوا موقفاً صريحاً من إيران وروسيا بالنسبة للكانتون الكردي، الذي يتشكل حالياً بمساندة الولايات المتحدة في شمال سورية، حيث إن طهران وموسكو أعلنتا دعمهما لوحدة الأراضي السورية، ورفضهما تشكيل أي كانتون أو مقاطعة فدرالية كردية على غرار الحكم الذاتي الكردي في العراق.

وأضافت المصادر أن المطالب التركية تضمنت أيضاً ضمان عدم دعم الأكراد والمعارضين الأتراك من الرئيس السوري بشار الأسد انتقاماً لما قامت به أنقرة في السنوات الأخيرة، إذا ما تم إنهاء الحرب في سورية مع بقاء الأسد في السلطة فترة انتقالية.

وأشارت إلى رغبة تركية في الحصول على ضمانة بعدم ترشيح الأسد نفسه لدورة رئاسة جديدة بعد انتهاء ولايته، إذا ما قبلت ببقائه حتى انتهاء ولايته الفعلية، موضحة أن هذا المطلب الأخير لم يلق قبول إيران وروسيا، لإصرارهما على أن هذا الأمر يجب تركه للشعب السوري، وعدم فرضه من دول أجنبية حتى لا يتحول إلى بدعة تطبق في دول أخرى.

وتركز السياسة الإيرانية- الروسية في الآونة الأخيرة على محاولة إخراج أكبر قدر ممكن من المعارضة السورية من المعركة بطرق سياسية، وعليه فقد تم عرض مصالحة بين "حزب الله" اللبناني وفصائل المعارضة السورية، على لسان حسن نصرالله، وفقاً للمعطيات الجديدة على الساحة السورية والاتفاقيات خلف الكواليس بين إيران وروسيا وتركيا.

وأكدت المصادر أن الأميركان اتفقوا مع الروس على مساعدتهم في سورية، بحيث تكون دمشق مركز نفوذ روسي، في مقابل أن يكون العراق مركز نفوذ أميركي، وعليه فإن الروس تعهدوا بإقناع الإيرانيين بالتعاون مع الأميركيين في عملية تحرير الموصل، إذ إن الديمقراطيين يريدون إتمام عملية تحرير المدينة الخاضعة لسيطرة "داعش" قبل موعد إجراء الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة لتكون الورقة الرابحة لهم.

إلا أنه، بحسب المصادر، فإن العقدة اليوم تكمن في أن حكومة الرئيس روحاني مصرة على أن تقوم الولايات المتحدة بخطوات خاصة، مصرفية واقتصادية، تدعمها في الانتخابات الإيرانية المقبلة قبل المساعدة بورقة الموصل، حيث إنه ما من ضمانات لديها أن تنفذ واشنطن الشق الخاص برفع جميع العراقيل الاقتصادية المفروضة على طهران بعد انتخاب الرئيس الأميركي الجديد.