بعد حالة الإحباط والقلق، التي انتابت المسؤولين في بنك إنكلترا (المركزي البريطاني) جراء الفشل في تحقيق المستهدف من عملية شراء السندات، خلال الأسبوع الماضي، مما أسفر عن تحقيق بعض الديون الحكومية عائدات سلبية، ها هو المشهد يتغير والصورة تتبدل ويحل التفاؤل محل القلق والإحباط، فقد نجح البنك في شراء ما قيمته 1.17 مليار جنيه إسترليني من السندات، في إطار خطة التيسير الكمي التي تبنتها الحكومة البريطانية لدعم الاقتصاد الوطني، بعد تصويت الناخبين لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وقال، روبرت رو الباحث في بنك إنكلترا، إن أبرز ما يمكن أن نرصده في عملية نجاح البنك في شراء السندات ليس عملية الشراء في حد ذاتها، بل الأهم أن معدل الراغبين في الشراء كان ضعف الكمية المطلوبة بـ2.7 مرة، وهذا يكشف عن ثقة المستثمرين بالاقتصاد البريطاني.

Ad

وأضاف رو، في لقاء مع الصحيفة، أن ما حدث الأسبوع الماضي من فشل البنك في إيجاد عدد كافٍ من الأشخاص الراغبين في البيع، ما دفعه إلى الشراء بأسعار أعلى من أسعار السوق، كان أمراً استثنائياً، ومن ثم فنحن الآن على يقين بأن فشل تجربة الشراء السابقة، كان يعود لعوامل تنظيمية، أكثر من أنها شكوك في قدرات الاقتصاد البريطاني.

ومن المقرر أن تتم عملية شراء البنك المركزي لسندات الخزانة البريطانية، ثلاث مرات في الأسبوع، وذلك حتى شهر أكتوبر المقبل، على أن يتضمن البرنامج شراء كميات محدودة من سندات الشركات، لكن ذلك سيكون حصراً على سندات الديون بفائدة ثابتة، التي تصدرها الشركات، على أمل أن يعزز ذلك من حركة النشاط الاقتصادي.

وكان بنك إنكلترا قد رصد مبلغ 60 مليار إسترليني شهرياً لبرنامج التيسير الكمي، ويخطط البنك الآن إلى زيادة هدف البرنامج في أغسطس الحالي بنسبة 16 في المئة، على أمل أن يسهم ذلك في تفادي دخول الاقتصاد حالة من الركود.

وحول أهمية نجاح المرحلة الحالية من شراء بنك إنكلترا لسندات الخزانة، أوضح لـ»الاقتصادية»، د. مارتن هاورد أستاذ الاقتصاد البريطاني في مدرسة لندن للاقتصاد، أن البنك إذا نجح في إقناع حاملي سندات الخزانة بالتخلص منها بالبيع، فإنه سيضمن أن الأموال التي ستدفع لهم سيتم ضخها في الاقتصاد الحقيقي، مما يعزز القطاعات الإنتاجية سواء كانت في مجال الخدمات أو القطاع الصناعي ومن ثم يزيد أيضاً معدلات التوظيف.

وأضاف هاورد أن بريطانيا تحتل المرتبة الخامسة في الاقتصاد الدولي، وهناك متابعة دقيقة لبرنامج التيسير الكمي الذي أطلقته ومدى نجاحه، ولا شك أن ما حدث في الأسبوع الماضي والفشل في تحقيق الأهداف المرجوة، خلق حالة من القلق ليس فقط في بريطانيا وإنما في مجمل القارة الأوروبية، بأن الاقتصاد البريطاني يعاني متاعب حقيقية، وهذا أدى إلى تراجع حاد في قيمة السندات البريطانية والأوروبية على حد سواء.

وبالفعل، فإن العائد على السندات الثلاثينية (مدتها 30 عاماً) زاد بنحو 0.04 في المئة ليصل إلى 1.31 في المئة، وكان العائد قد تراجع الأسبوع الماضي بنقطتين في أعقاب فشل بنك إنكلترا في تحقيق أهدافه بشراء سندات الخزانة، والوضع كان أفضل بالنسبة لسندات السنوات العشر التي زادت بـ0.56 في المئة، لكن الأنباء الجيدة بخصوص سندات الخزانة البريطانية، وعلى الرغم من إيجابيتها، فإنها لا تمثل إلا جزءاً من مشهد اقتصادي بريطاني يتسم بعدم اليقين ويعطي مؤشرات متضاربة، تربك القيادة الاقتصادية حول حقيقية تأثير استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي على الوضع الاقتصادي.

وأدى التدهور الراهن في سعر الإسترليني إلى ارتفاع تكلفة المعيشة وتكلفة مدخلات العملية الإنتاجية، خاصة بالنسبة للصناعات التي تعتمد على استيراد مكوناتها الإنتاجية من الخارج، فالإحصاءات الرسمية تشير إلى ارتفاع مجمل تكلفة المدخلات الإنتاجية بنحو 4.3 في المئة خلال الشهر الماضي، وتعد تلك أول زيادة في تكلفة الإنتاج منذ سبتمبر 2013، بينما زادت أسعار بعض الواردات السلعية بـ 10.2 في المئة، وارتفعت أسعار الواردات من المعادن بنحو 12.4 في المئة.

وأشار آدم دريك من اتحاد الصناعات البريطانية، إلى أن تلك الأنباء السيئة المتعلقة بالإسترليني وارتفاع تكلفة المعيشة وتكلفة مدخلات العملية الإنتاجية، لا شك أنها ستؤدي إلى تآكل المكاسب الاقتصادية المحققة من خفض سعر الفائدة وتطبيق برنامج التيسير الكمي، وتحديداً شراء بنك إنكلترا لسندات الخزانة سواء من الأفراد أو بعض الشركات، لأن الزيادة المالية المباشرة في الأسواق نتيجة عملية الشراء ستستنزفها زيادة الأسعار والتضخم.

وأوضح دريك أن مناخ التفاؤل، الذي ساد لدى بعض الشركات، التي تحقق أرباحها نتيجة التصدير قد تراجعت، لأن تكلفة الإنتاج في بريطانيا ارتفعت، ومن ثم فقدت تلك الشركات المزايا التنافسية التي يمكن أن تحققها نتيجة انخفاض سعر صرف الإسترليني.

«العربية نت»